¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤ مدونة إسلامية للسيد* مصطفى عماد بن الشيخ الحسين * تالمست المغرب
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

2018/12/30

اسباب دخول الجنة

Print Friendly and PDF

الخطبة الأولى
ان الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا "
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " أَمَّا بَعْدُ :
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضلالة و كل ضلالة في النار
عباد الله
تحدثنا في الجمعة الماضية عن نعيم أهل الجنة و ما أعده الله لهم من النزل الكريم و الفضل العظيم مما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر .
فهم في روضات الجنة يتقلبون، وعلى أسرتها يجلسون، وعلى الفرش التي بطائنها من استبرق يتكئون، وبالحور العين يتمتعون، وبأنواع الثمار يتفكهون.
هل تريد أن تكون منهم ؟ هل تريد أن تعرف أوصافهم؟
كيف السبيل للوصول إلى ذلك النعيم؟
لقد أجاب رسول الله عن ذلك بجوامع الكلم، فقال كما في الصحيحين من حديث أنس قال: ((حفت الجنةُ بالمكاره، وحفت النار بالشهوات))
و قال عليه الصلاة و السلام : ((لما خلق الله الجنة والنار أرسل جبريل إلى الجنة، فقال له: انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال فجاءها ونظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها، قال: فرجع إليه، قال: فوعزتك، لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فأمر بها فحفت بالمكاره، فقال: ارجع إليها، فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فرجع إليها فإذا هي قد حفت بالمكاره، فرجع إليه فقال: وعزتك، لقد خفت أن لا يدخلها أحد، قال: اذهب إلى النار فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فإذا هي يركب بعضها بعضا، فرجع إليه فقال: وعزتك، لا يسمع بها أحد فيدخلها، فأمر بها فحفت بالشهوات، فقال: ارجع إليها، فرجع إليها فقال: وعزتك، لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها)).
يقول عنه النووي رحمه الله معلقاً: هذا من بديع الكلام وفصيحه وجوامعه الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه: لا وصول إلى الجنة إلا بارتكاب المكاره، فالنار بالشهوات قد حفت، والجنة محفوفةٌ بالمكاره فهما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب، فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره، وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات، فأما المكاره فيدخل فيها الاجتهاد بالعبادة والمواظبة عليها، والصبر على المشقة فيها، وكظم الغيظ والعفو والحلم والصدقة والإحسان والصبر عن الشهوات .

أيها الإخوة، إن الجنة تحتاج إلى سعي وعمل، وبدون السعي والعمل يصبح طلب الجنة جنون وعبث، يقول سبحانه: وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا
يقول : ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى))، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: ((من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)) أخرجه البخاري عن أبي هريرة

قال تعالى: وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَـٰفِسُونَ [المطففين:26]. مطلب يستحق المنافسة، وغاية تستحق الغلاب، الذين يتنافسون في شيء من أشياء الأرض، مهما كبر وجل وارتفع وعظم، إنما يتنافسون في شيء حقير فان قريب، والدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة هزيلة زهيدة، فهون من شأنها وارفع نفسك عنها
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت أن السلامة فيها ترك ما فيهـا
لا دار للمرء بعد المـوت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخيـر طاب مسكنــه وإن بناها بشر خـاب بانيها
عباد الله
أصحاب الجنة، كَانُواْ قَلِيلاً مّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِٱلأَسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِى أَمْوٰلِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّائِلِ وَٱلْمَحْرُومِ [الذاريات:17-19]،
يصلون بالليل والناس نيام، يصومون وغيرهم يأكل، وينفقون وغيرهم يبخل
أولئك هم عباد الله حفظوا وصية الله، ورعوا عهده، بربهم يؤمنون، وبربهم لا يشركون، وهم من خشيته مشفقون، استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا سراً وعلانية في السراء والضراء، يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون، عن اللغو معرضون، وللزكاة فاعلون، ولفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. لأماناتهم وعهدهم راعون. طالما تعبت أجسادهم من الجوع والسهر، واستعدوا من الزاد بما يكفي لطويل السفر، كثر استغفراهم فحطت خطاياهم، وكل ما طلبوا من ربهم أعطاهم، فسبحان من اختارهم واصطفاهم، إنهم عباد الله المخلَصون، فيهم الشهيد المحتسب، والعفيف المتعفف، والضعيف المتواضع، ذو الطمرين، مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره. أقوام يقطرون نزاهة، أفئدتهم مثل أفئدة الطير، فيهم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، متحابون في جلال الله،
فيهم صاحب القرآن يقرأ ويرتل ويرتقي، وفيهم تارك المراء ولو كان محقاً، وتارك الكذب ولو كان مازحاً، فيهم من أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام، خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى. جنة ربي لكل أواب حفيظ، من خشي الرحمن بالغيب وجاء بكل قلب منيب. عيون تبكي من خشية الله، وعيون تحرس في سبيل الله، يخافون من ربهم يوماً عبوساً قمطريراً، فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا.

أيها المسلمون، هذه هي الجنة وهذا هو سبيلها، فهل رأيتم أشد غبناً ممن يبيع الجنان العالية بحياة أشبه بأضغاث أحلام، يبيع الفردوس بدنيا قصيرة، وأحوال زهيدة، مشوبة بالنقص، ممزوجة بالغصص. حياة حقيرة، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً، وإن سرت أياماً، أحزنت دهوراً، أي سفه ممن يبيع مساكن طيبة في جنات عدن بأعطان ضيقة وخراب بور. فيا حسرة هذا المتخلف حين يعاين كرامة الله لأوليائه، وما أخفي لهم من قرة أعين، فلسوف يعلم أي بضاعة أضاع. فاتقوا الله رحمكم الله وبادروا وشمروا، واعملوا وأحسنوا وأبشروا

بارك الله لي ولكم في الكتابِ والسنّة، ونفعنا بما فيهما من الآياتِ والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروا اللهَ إنّه كان غفّارًا

الخطبة الثانية
الحمد لله، رضي من عباده اليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وخص من شاء بهدايته وتوفيقه نعمة منه وفضلا. أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله لا الله وحده لا شريك له شهادة مؤمن بها آخذ بمقتضاها قولاً وعملاً. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله رحمة العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد
أيها المؤمنون الموحدون، لقد نودي على الجنة في سوق الكساد، فما قَلّب السلعة ولا سام، إلا أفراد من العباد، فواعجباً لها كيف نام طالبها، وكيف لم يسمع بمهرها خاطبها، وكيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها، وكيف قرت دونها أعين المشتاقين، وكيف صبرت عنها أنفس الموقنين، وكيف صُرفت عنها قلوب أكثر العالمين، وبأي شيء تعوضت عنها نفوس المعرضين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة ))
يا سلعة الرحمن لست رخيصـة بل أنت غالية على الكسـلان
يا سـلعة الرحمن ليـس ينالهـا في الألف إلى واحـد لا اثنان
يا سـلعة الرحمن مـاذا كفؤهـا إلا أولو التقوى مع الإيمـان
يا سلعة الرحمن سـوقك كاسـد بين الأراذل سفلـة الحيـوان
يا سلعة الرحمن أيـن المشـتري فلقد عرضت بأيسـر الأثمان
يا سلعة الرحمن هل مـن خاطب فالمهر قبل الموت ذوو إمكان
يا سـلعة الرحمن كيف تصـبر الخطاب عنك وهم ذوو إيمان
يا سـلعة الرحمن لـولا أنهـا حجبت بكل مكاره الإنسـان
ما كان عنها قـط مـن متخلف وتعطلت دار الجزاء الثانـي
لكنهـا حجبـت بكـل كريهـة ليصد عنها المبطل المتواني
وتنالها الهمـم التي تسمـو إلى رب العلى بمشيئة الرحمـن
اتعب ليوم معـادك الأدنى تجد راحاته يوم المعـاد الثانـي
اللهم إنا نسألك نعيمًا لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، ولذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين اللهم إنا نسألك الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما يقرب إليها من قول وعمل
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكَّرون. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا لكم