¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤ مدونة إسلامية للسيد* مصطفى عماد بن الشيخ الحسين * تالمست المغرب
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

2018/09/28

خطبة الجمعة وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا

Print Friendly and PDF

خطبة الجمعة وَسَائِلُ إِصْلَاحِ الْبُيُوتِ

Print Friendly and PDF

خطبة الجمعة الِاعْتِصَامُ بِحَبْلِ اللهِ الْمَتِينِ

Print Friendly and PDF

خطبة الجمعة عَلامات السّاعَةِ الكُبْرَى

Print Friendly and PDF

خطبة الجمعة شرح حديث الدِّينُ النَّصِيحَة

Print Friendly and PDF

خطبة الجمعة أَسْباب المَغْفِرَة

Print Friendly and PDF

2018/09/25

خطبة الجمعة الوسوسة

Print Friendly and PDF

خطبة الجمعة التهاون بالصلاة

Print Friendly and PDF

خطبة الجمعة الاستقامة قبل الندامة

Print Friendly and PDF

خطبة الجمعة الآخرة الباقية

Print Friendly and PDF

خطبة الجمعة الصبر

Print Friendly and PDF

خطبة الجمعة الإيمـــان حياة

Print Friendly and PDF

خُطْبَةُ جُمُعَة ( بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ )

Print Friendly and PDF

2018/09/24

خطبة الجمعة التبـرّك

Print Friendly and PDF

خطبة الجمعة الجَنَّةُ والنَّار

Print Friendly and PDF
بسم الله الرحمان الرحيم
الخطبة الاولى
الحَمْدُ للهِ الْمُبْدِئِ الْمُعِيد، الْغَنِيِّ الحَمِيد ذِي العَفْوِ الواسِعِ والعِقابِ الشَّدِيد، مَنْ هَداهُ فَهُوَ السَّعِيدُ السَّدِيد، ومَنْ أَضَلَّهُ فَهُوَ الطَّرِيدُ البَعِيد، ومَنْ أَرْشَدَهُ إِلى سَبِيلِ النَّجاةِ وَوَفَقَهُ فَهُوَالرَّشِيد، يَعْلَمُ ما ظَهَرَ وما بَطَن وما خَفِيَ وما عَلَن وهُوَ أَقْرَبُ إِلى كُلِّ مُرِيدٍ مِنْ حَبْلِ الوَرِيد، قَسَّمَ الخَلْقَ قِسْمَيْن، وجَعَلَ لَهُمْ مَنْزِلَتَيْن، فَرِيقٌ في الجَنَّةِ وفَرِيقٌ في السَّعِير، ورَغَّبَ في ثَوابِه، ورَهَّبَ مِنْ عِقابِه وللهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ فَمَنْ عَمِلَ صالِحًا فَلِنَفْسِهِ ومَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيد، وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ عَلى سَيِّدِنا محمَّدٍ البَشِيرِ النَّذِير وعَلى ألِهِ وأَصْحابِهِ الطَّيِّبِينَ الطّاهِرِين، أَمّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ القائِلِ في مُحْكَمِ كِتابِهِ ﴿لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ ٢٠﴾(سورة الحشر).
إِخْوَةَ الإِيمانِ إِنَّ الذَّكِيَّ الفَطِنَ مَنْ تَزَوَّدَ مِنْ دُنْياهُ لآِخِرَتِهِ ولَمْ يَبِعْ أخِرَتَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيا، فَالنّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ قِسْمٌ إِلى الجَنَّةِ وقِسْمٌ إِلى النّارِ فَهُما دارانِ ما لِلنَّاسِ غَيْرُهُما فانْظُرْ يا أَخِي ماذا تَخْتارُ لِنَفْسِكَ، فَالجَنَّةُ أُعِدَّتْ لِلْمُؤْمِنِينَ والنّارُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ ولا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وأَصْحابُ الجَنَّةِ، طَعامُ أَهْلِ الجَنَّةِ كَما قالَ تَعالى ﴿ وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ ٢٠ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ ٢١﴾(سورة الواقعة). وكما قال عَزَّ وجَلَّ ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ٢٣ كُلُواْ وَٱشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ٢٤﴾ (سورة الحاقة) أَمّا طَعامُ أَهْلِ النّارِ فَكَما قالَ تَعالى ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ ٦ لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ ٧﴾(سورة الغاشية) وَالضَّرِيعُ شَجَرٌ كَرِيهُ الْمَنْظَرِ كَرِيهُ الرّائِحَةِ وثَمَرُهُ كَرِيهُ الطَّعْمِ وكَما قالَ تَعالى ﴿إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ ٤٣ طَعَامُ الأَثِيمِ ٤٤ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي البُطُونِ ٤٥ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ٤٦﴾ وكَما قالَ تَعالى﴿وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ ٣٦ لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُونَ ٣٧﴾(سورة الحاقة).
إِخْوَةَ الإِيمانِ لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وأَصْحابُ الجَنَّةِ ولا يَسْتَوِي شَرابُ أَهْلِ الجَنَّةِ وشَرابُ أَهْلِ النّارِ فَأَمّا أَهْلُ الجَنَّةِ فَإِنَّهُمْ يُسْقَوْنَ مِنَ الرَّحِيقِ وهِيَ عَيْنٌ في الجَنَّةِ مَشوبَةٌ بِالْمِسْكِ بِإِناءٍ مَخْتُومٍ عَلَيْهِ بِالْمِسْكِ ومَمْزُوجٍ فِيهِ مِنْ تَسْنِيمٍ وهِيَ عَيْنٌ في الجَنَّةِ رَفِيعَةُ القَدْرِ قالَ تَعالى ﴿يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ ٢٥خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ٢٦ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ ٢٧ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ٢٨﴾(سورة المطففين) وأَمّا أَهْلُ النّارِفَشَرابُهُم الْماءُ الْمُتَناهِي في الحَرارَةِ قالَ تَعالى﴿لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا ٢٤ إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ٢٥﴾(سورة النبأ) والحَمِيمُ هُوَ الشَّرابُ الْمُتَناهِي في الحَرارَةِ والغَسَّاقُ ما يَسِيلُ مِنْ جُلُودِ أَهْلِ النّارِ تَسْقِيهِمْ إِيّاهُ مَلائِكَةُ العَذابِ فَتَتَقَطَّعُ أَمْعاؤُهُمْ قالَ تَعالى ﴿وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ٢٩﴾(سورة الكهف).
الخطبة الثانية
إِخْوَةَ الإِيمانِ ولا يَسْتَوِي لِباسُ أَهْلِ الجَنَّةِ ولِباسُ أَهْلِ النّارِ فَأَمّا أَهْلُ الجَنَّةِ فَثِيابُهُمُ الحَرِيرُ والسُّنْدُسُ والإِسْتَبْرَقُ قالَ تَعالى﴿عالِيَهُمْ﴾ أَيْ فَوْقَهُمْ ﴿ثِيَابُ سُندُسٍ﴾ أَيِ الثِّيابُ الرَّقِيقَةُ مِنَ الدِّيباجِ وهُوَ الحَرِيرُ ﴿خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ﴾وهُوَ ما غَلُظَ مِنَ الدِّيباجِ﴿وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ٢١﴾(سورة الإنسان) وأَمّا أَهْلُ النّارِ فَثِيابُهُمْ مِنْ نارٍ قالَ تَعالى ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ١٩﴾(سورة الحج).
إِخْوَةَ الإِيمانِ لا تَسْتَوِي هَيْئَةُ أَهْلِ الجَنَّةِ وهَيْئَةُ أَهْلِ النّارِ، فَأَمّا أَهْلُ الجَنَّةِ فَإِنَّهُمْ عَلى صُورَةِ أَبِيهِمْ أدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ سِتُّونَ ذِراعًا طُولاً في عَرْضِ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ حِسانُ الوُجُوهِ يُشْبِهُونَ يُوسُفَ الصِّدِّيقَ في الجَمالِ وأَمَّا أَهْلُ النّارِ فَإِنَّ اللهَ يَزِيدُ في أَحْجامِهِمْ لِيَزْدادُوا عَذابًا حَتَّى يَكُونَ ضِرْسُ الكافِرِ يَوْمَ القِيامَةِ كَجَبَلِ أُحُدٍ وما بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ مَسِيرَةَ ثَلاثَةِ أَيّامٍ وكُلَّما أَنْضَجَتْ جُلُودَهُمُ النّارُ كُسُوا جُلُودًا غَيْرَها قالَ تَعالى ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا العَذَابَ ٥٦﴾ (سورة النساء).
إِخْوَةَ الإِيمانِ قالَ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالى عَنْ أَصْحابِ النّارِ﴿إِذَا أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ ٧﴾(سورة الملك) فَإِنَّ الكُفّارَ إِذا أُلْقُوا في جَهَنَّمَ طُرِحُوا فِيها كَما يُطْرَحُ الحَطَبُ في النّارِ العَظِيمَةِ فَيَسْمَعُونَ لِجَهَنَّمَ شَهِيقًا صَوْتًا شَدِيدًا مُنْكَرًا كَصَوْتِ الحِمارِ لِشِدَّةِ تَوَقُّدِها وغَلَيانِها وأَمّا أَهْلُ الجَنَّةِ فَإِنَّهُمْ لا يَسْمَعُونَ فِيها باطِلاً ولا مَأْثَمًا ولا ما يُزْعِجُهُمْ قالَ تَعالى ﴿لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا ٢٥ إِلاَّ قِيلاً سَلاَمًا سَلاَمًا ٢٦﴾(سورة الواقعة).
إِخْوَةَ الإِيمانِ لِيُحَاسِبْ كُلٌّ مِنَّا نَفْسَهُ وَلْيَنْظُرْ هَلْ أَعَدَّ الزّادَ لِيَوْمِ الْمَعادِ لِيَكُونَ مِنَ الَّذِينَ وَرَدَ فِيهِمْ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ ٨ لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ ٩ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ١٠ لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً ١١ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ ١٢ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ ١٣ وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ ١٤ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ ١٥ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ١٦﴾(سورة الغاشية) وخَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ وَرَدَ فِيهِمْ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ٢عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ ٣ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ٤ تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ ءَانِيَةٍ ٥ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ ٦ لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ ٧﴾.
اَلْمَوْتُ بابٌ وكُلُّ النَاسِ داخِلُهُ  ***  فَلَيْتَ شِعْرِيَ بَعْدَ البابِ ما الدّارُ
الدّارُ جَنَّةُ عَدْنٍ إِنْ عَمِلْتَ بِما يُرْضِي  ***  الإِلَهَ وإِنْ فَرَّطْــــتَ فَالنَّـــــــــــارُ
هُمـا مَصِيرانِ ما لِلْمَرْءِ غَيْرُهُمــــــــــا  ***  فَانْظُرْ لِنَفْسِـــــــــــــكَ ماذا أَنْتَ تَخْتارُ
فَانْظُرْ أَخِي الْمُسْلِمَ ماذا أَعْدَدْتَ ولِأَيِّ دارٍ تَهَيَّأْتَ فَلَيْسَ في الآخِرَةِ دارٌ إِلَّا جَنَّةٌ أَونارٌ ولا يَسْتَوِي أَصْحابُ الجَنَّةِ وأَصْحابُ النّارِ وقِ نَفْسَكَ وأَهْلَكَ النارَ بِتَعَلُّمِ ما افْتَرَضَ اللهُ عِلْمَهُ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ وأَدِّ ما افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكَ وَاجْتَنِبْ ما نَهاكَ عَنْهُ لِتَسْلَمَ في الآخِرَةِ مِن نارٍ وَقُودُها النّاسُ والحِجارَةُ فَقَدْ قالَ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالى﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ٦﴾ أَجارَنِي اللهُ وإِيّاكُمْ مِنَ النّار.
هَذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولَكُم

خطبة الجمعة (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ)

Print Friendly and PDF

خطبة الجمعة أَهَمِّيَّةِ عِلْمِ العَقِيدَةِ

Print Friendly and PDF

خطبة الجمعة الرضا والتسليم بقضاء الله تعالى

Print Friendly and PDF

خطبة الجمعة التـوبــة إلى الله

Print Friendly and PDF
بسم الله الرحمان الرحيم
الخطبة الاولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد ولا ند له، خلق العرش إظهارًا لقدرته ولم يتخذه مكانًا لذاته، جلّ ربي لا يشبه شيئًا ولا يشبهه شىء ولا يحل في شىء ولا ينحل منه شىء ليس كمثله شىء وهو السميع البصير. وأشهد أنّ سيّدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمدًا عبده ورسوله وصفيّه وحبيبه، طب القلوب ودواؤها وعافية الأبدان وشفاؤها ونور الأبصار وضياؤها صلى الله وسلم عليه وعلى كل رسول أرسله.
أما بعد عباد الله فإنّي أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي القدير القائل في محكم كتابه (يا أيها الذين ءامنوا توبوا إلى الله توبة نصوحًا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين ءامنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شىء قدير) سورة التحريم 8.
اغفر لنا ربنا إنك على كل شىء قدير، اقبل منا صيامنا يا ربنا إنك على كل شىء قدير، اقبل منا قيامنا يا ربنا إنك على كل شىء قدير، اقبل منا ركوعنا يا ربنا إنك على كل شىء قدير، اقبل منا سجودنا يا ربنا إنك على كل شىء قدير، ثبتنا على الطاعة والتوبة يا ربنا إنك على كل شىء قدير.
إخوة الإيمان، يقول ربنا تبارك وتعالى في القرءان عن القرءان (إن هو إلا ذكر للعالمين) سورة ص 87.
إن هو إلا عظة للخلق، إن هو أي ما القرءان إلا عظة للخلق، فتأمل معي أخي المؤمن، أخي الصائم معاني هذه الآيات العظيمة التي سنتلوها من كتاب الله العزيز لتتعظ بالقرءان وأنت تودع شهر القرءان، لتثبت على التوبة وأنت تودع شهر التوبة، بسم الله الرحمن الرحيم (وجوه يومئذٍ مسفرة)(ضاحكة مستبشرة) عبس 38-39.
وجوه الصالحين تكون يوم القيامة مشرقة مضيئة قد علمت ما لها من الخير والنعيم مسرورة فرحة بما نالها من كرامة الله عز وجل.
فاثبت أخي المؤمن الصائم على التقوى والصلاح والتوبة، والتوبة معناها الرجوع وهي في الغالب تكون من ذنب سبق للخلاص من المؤاخذة به في الآخرة وهي واجبة فورًا من المعصية الكبيرة وكذلك من المعصية الصيغرة، والتوبة هي الندم أي التحسر في القلب أسفًا على عدم رعاية حقِّ الله عز وجل والإقلاع عن الذنب في الحال أي ترك هذه المعصية في الحال والعزم على أن لا يعود إليها أي التصميم المؤكد أن لا يعود إلى هذه المعصية.
وإن كان الذنب ترك فرض قضاه كمن ترك صيام يوم من رمضان بلا عذر شرعي يقضيه بعد يوم العيد مباشرة، فإن كان الذنب ترك فرض قضاه أو تبعة لآدمي قضاه أو استرضاه، فقد روى البخاري في الصحيح مرفوعًا (من كان لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم).
فمن كان لأخيه المسلم عنده مظلمة في عرض أو مال كأن سبه أو أكل له ماله بغير حق فليُبرىء ذمته اليوم قبل يوم القيامة لأنه إن لم يبرىء ذمته في الدنيا قبل الآخرة، لا تردّ عنه الدراهم ولا الدنانير شيئًا فإن مات ولم يبرىء ذمته من هذه المظلمة فإن كان له حسنات أخذ له صاحب الحق من حسناته بقدر مظلمته فإن لم تكف حسناته لذلك أخذ من سيئات المظلوم فحملت على الظالم.
يقول ربنا تبارك وتعالى في القرءان (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه) عبس 34-35، (وصاحبته) أي زوجته (وبنيه) أي أبنائه.
فإن كان ظلم يفر منهم يوم القيامة لأنه يعرف أن ذلك اليوم يوم عقاب وقصاص لكن أين المفر، أما الذين عاشوا وليس بينهم تبعات وظلم يشتاق بعضهم لرؤية بعض.
الخطبة الثانية
توبوا إلى الله عباد الله واعلموا أن من الناس من يعاقبهم الله تعالى بسوء الخاتمة بسبب شؤم المعاصي.
يروى أن أحد العلماء المحدثين واسمه الفضيل بن عياض كان له تلميذ وكان هذا التلميذ يحتضر على فراش الموت فوقف الفضيل عنده وصار يلقنه الشهادتين عند الاحتضار يقول له قل لا إله إلا الله فلا يستطيع هذا التلميذ أن ينطق بها، قل لا إله إلا الله فلا ينطق حتى قال هذا التلميذ إني بريء منها ومات على الكفر والعياذ بالله، الفضيل بن عياض خاف وارتعب وصار يبكي من خشية الله، ثم رأى هذا التلميذ في المنام وإذا به يجر إلى جهنم فقال له الفضيل ويلك ماذا فعلت ؟ قال له يا أستاذي أنا كنت أستغيب إخواني وكنت أحسدهم فوصلت إلى هذه المرحلة ومت على الكفر.
اللهمّ لا تجعل مصيبتنا في ديننا وثبتنا على الإسلام، هذا وأستغفر الله لي ولكم.

خطبة الجمعة الخشوعُ في الصَّلاةِ

Print Friendly and PDF
بسم الله الرحمان الرحيم
الخطبة الاولى
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد ولا ند له، الذي أنزل على قلب نبيه وحبيبه محمّد [لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا القُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] {الحشر 21}.
وأشهد أنّ سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمّدًا عبد الله ورسوله وصفيه وحبيبه، يا حبيبي وقرة عيني وحبّ روحي وفؤادي يا محمّد.
يا حبيبي في محياك تباشير السلام *** وفؤادي لك غنى ألحان الغرام
أنت حب الله يا مولاي في الأنام *** بحماكم يا حبيبي أنا صبّ مستهام
الصلاة والسلام عليك سيدي يا رسول لله يا علم الهدى يا أبا القاسم يا أبا الزهراء يا محمد، يا محمد ضاقت حيلتنا وأنت وسيلتنا أدركنا يا رسول الله، أدركنا بإذن الله.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ القدير القائل في محكم كتابه [قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ] (المؤمنون 1 و 2) والخشوع إخوة الإيمان عمل قلبي يتوصل إليه بالأسباب على حسب مشيئة الله.
ومن هذه الأسباب الإكثار من ذكر الموت، الإكثار من ذكر هاذم اللذات، وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أكثروا ذكر هاذِمِ اللذات الموت) أي قاطع اللذّات.
إخوة الإيمان من أسباب الخشوع الإكثار من ذكر الموت لا سيما عند الدخول في الصلاة يقول في نفسه (لعل هذه الصلاة ءاخر صلاتي) أي لعلي لا أعيش بعدها فيصير في قلبه خوف من الله.
فاخشع لله أخي المسلم عند قولك الله اكبر، الله أكبر كبير قدرًا وعظمة لا حجمًا لأن الله منَزّه عن الحجم، فاخشع لله أخي المسلم عند قراءة الفاتحة وتفكّر في معاني هذه الآيات القرءانية العظيمة.
تفكّر في معنى قوله تعالى (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين) [الفاتحة 2 و3 و 4].
هو الله مالك الدنيا والآخرة إنما أفهمنا في هذه الآية عظم ذلك اليوم.
فاحرص أخي المسلم أن لا تكون من هؤلاء الذين إذا دخلوا في الصلاة تشغلهم أموالهم وأولادهم وأزواجهم وأعمالهم الدنيوية عن الخشوع في الصلاة، ولا تكن كأولئك الذين يقولون في أنفسهم (متى ينتهي الإمام؟) لمجرّد التسريع في الصلاة، ولا كأولئك الذين يسرعون في صلاتهم وينقرون كنقر الديك.
بعض الأولاد في صلاتهم يتفكّرون باللعب، اللعب بالدراجة أو بالكرة أو نحو ذلك ولا يخشعون في صلاتهم لله سبحانه وتعالى، فاللعب يكون همّهم الأول ولا يتفكّرون في معاني الكلمات التي تطمئنّ القلوب بذكرها. وإياك أن تكون كأولئك الذين يشغلهم خِنْزب وهو شيطان يوسوس للمصلي أثناء صلاته محاولاً إلهاءه، ولا تنشغل أخي المصلي بمشاكل الدنيا والهموم أثناء صلاتك ولا بالجاه ولا بالصيت ولا بالسمعة، واترك أمور بيتك وسيارتك ومكانك وثيابك واخشع في صلاتك أثناء ركوعك وأثناء سجودك وأثناء قيامك.
اخشع لله أخي المسلم في صلاتك وتذكر النبي صلى الله عليه وسلم الذي قام يومًا للصلاة فقام فبكى وركع وبكى وسجد وبكى، قام فبكى وركع وبكى وسجد وبكى حتى ابتلّ التراب الذي بمحاذاته صلى الله عليه وسلم. وتذكّر عليّ بن الحسين الذي لُقِّب بالسجّاد لكثرة سجوده الذي كان يصلي في الليلة الواحدة ألفي ركعة من السنن واشتعلت النار يومًا في بيته وهو يصلي فصاروا ينادونه يا علي النار النار فلما فرغ من الصلاة قال لهم شغلت عن ناركم بنار الآخرة، شغلت عن ناركم بنار جهنّم.
[قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ] (المؤمنون 1 و 2).
الخطبة الثانية
والخشوع هو استشعار الخوف من الله عز وجل أو استشعار محبته وتعظيمه، تفكّر في قولك سبحان ربي الأعلى أنزه ربي الأعلى أي الذي هو أعلى من كل عليّ أي علوّ قدر لا علوّ حيز لأن الشأن في علوّ القدر ليس في علوّ الحيز والمكان، لأنّ الله موجود بلا مكان.
والدليل على ذلك إخوة الإيمان أن حملة العرش والحافين حوله من الملائكة مكانهم أرفع مكان ومع ذلك فليسوا هم أفضل من الأنبياء الذين هم في حيز ومكان دون ذلك بمسافة كبيرة بل الأنبياء وإن كان مستقرهم الأرض أعلى قدرًا عند الله من أولئك الملائكة.
عباد الله، إن من الحجارة لما يشقق من خشية الله فكيف قلوب أهل التقوى؟
إذا الجحارة، إذا الصخور من خشية الله تفتتت فكيف قلوب أهل التقوى؟ إذا كانت الخشبة حنّت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الحسن البصري يقول (يا معشر المسلمين الخشبة تحنّ إلى رسول الله شوقًا إليه أفليس الرجال الذين يرجون لقاءه أحقَّ أن يشتاقوا إليه؟) و
الحجارة تخشع لله سبحانه وتعالى، أحد الأولياء وقف على صخرة واراد أن يؤذن فقال الله أكبر الله أكبر…….إلى أن وصل إلى قوله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أنّ محمدًا رسول الله فانفلقت الصخرة من تحته.
فاخشع أخي المسلم واثبت على طاعة الله، فالله شكور عليم بعباده، فلقد روى ابن أبي الدنيا في كتاب الرقة والبكاء أن ورّاد العجلي لما مات فحمل إلى حفرته نزلوا ليدفنوه في حفرته فإذا اللحد مفروش بالريحان فأخذ بعضهم من ذلك الريحان فمكث الريحان سبعين يومًا طريًا لا يتغير، يغدو الناس ويروحون ينظرون إليه فأكثر الناس في ذلك فأخذه الأمير وفرق الناس خشية الفتنة ثم افتقده الأمير من منْزله لا يدري كيف ذهب.
اللهم ارزقنا الخشوع في الصلاة وارزقنا التقى والنقى والعفاف والغنى يا ربّ العالمين.
هذا وأستغفر الله لي ولكم

خطبة الجمعة الحث على طلب العلم واستفتاء أهله

Print Friendly and PDF
بسم الله الرحمان الرحيم
الخطبة الاولى
إن الحمدَ للهِ نَحمدهُ ونَستغفرهُ ونَستَعينهُ ونستهديهِ ونعوذُ بالله من شرورِ أنفُسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِ الله فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدهُ ورسولهُ من بعثَهُ الله رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشرًا ونذيرًا بلّغَ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونَصَحَ الأمة فجزاهُ الله عنَّا خيرَ ما جزى نبيًّا من أنبيائهِ صلوات الله وسلامُهُ عليهِ وعلى كُلّ رسولٍ أرسلَه.
أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى يقول الله تعالى [قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ] الزُّمر9.
وتفقهوا في دين الله، فإنه من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، والفقه معرفة النفس ما لها وما عليها، فبه يعرف العبد كيف يعبد ربه، به يعرف كيف يتوضأ وكيف يغتسل، به يعرف كيف يصلي وكيف يصوم وكيف يزكي وكيف يحج وكيف يعتمر، به يميز بين الواجبات وبين السنن، به يعرف كيف يبيع وكيف يشتري وكيف يتزوج وكيف يطلق، وكيف يُكفّر عن آثامه، فالعلم الشرعي نور القلب ونور القبر ونور الحشر ونور الصراط.
أيها الناس، وأوصيكم بالثباتِ على نهجِ رسولِ الله محمدٍ الصادقِ الوعدِ الأمين، وبالسَّيرِ على دَربِ العُلماءِ الأجِلاءِ، الذين حمَلوا هذا الدينَ العظيمَ وبلّغوهُ للناسِ وخلّفوا لنا ثروةً عظيمةً بل كنوزًا ودُرَرًا مضيئة في جميع فنون العلوم النافعة للمجتمعِ الإسلاميّ، فمن هؤلاءِ الأئمةِ الأعلام الحسن البصري ومكحول الدمشقي والأوزاعي وسفيان الثوري وأبو حنيفةَ ومالكُ والشافعيّ وأحمدُ وغيرهم رضي الله عنهم ونفعنا بهم وأمدّنا بأمدادهم، هؤلاءِ الأئمةُ بَلَغوا رتبةَ الاجتهادِ فنفعوا الناسَ بعلومِهم واجتهادِهم.
والاجتهادُ إخوة الإيمانِ هو استخراجُ الأحكامِ التي لم يرِدْ فيها نصٌّ صريحٌ من الكتاب والسنةِ، وأما ما ورد فيه نصٌّ صريحٌ فلا مجالَ للاجتهادِ فيه، فإن قُلنا مذهبُ الشافعيِّ أو مذهبُ مالكٍ أو مذهبُ أبي حنيفةَ أو أحمدَ بنِ حنبلٍ فالمرادُ ما ذهبَ إليهِ من الأحكامِ في المسائلِ أي في ما قرَّرهُ من الأحكام، فإذن المجتهدُ له شروطٌ لا بد أن تجتمعَ به ليكونَ عنده الأهليةُ للاجتهاد، فالاجتهادُ مشروعٌ لأهلِهِ وليس لكل فردٍ من أفرادِ المسلمين وإلا لضاع الدِّين، والفوضى لا تليقُ بالدين، قال الأَفْوَهُ الأَوْدِيُّ:
لا يصلُحُ الناسُ فَوضَى لا سَراةَ لهم *** ولا سَراةَ إذا جُهّالُهُم سادُوا
ولقد قيَّضَ اللهُ تعالى لخدمةِ دِينِهِ علماءَ أمناء متقين ورعين وأمر بالرجوعِ إليهِم في أمرِ دينهم فقال سبحانه وتعالى [فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ]، فمن أراد الاستفتاء فلا يسأل إلا أهل العلم الثقات الذين أخذوا العلم عمن قبلهم بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يسأل الصحفيين الذين يعكفون على قراءة الكتب والمجلات ومتابعة فتاوى الانترنت ومشايخ الفضائيات، نعم وكم من أناس في عصرنا هذا يريدون فتوى على حسب ءارائهم فيدورون من شيخ إلى ءاخر حتى يسمعون الفتوى التي تميل إليها أهواؤهم ولو كانت باطلة.
نقول لهم قال الله تعالى [وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ] النحل 116.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ وَاحِدٌ في الْجَنّةِ وَاثْنَانِ في النّارِ، فَأمّا الّذِي في الْجَنّةِ فَرَجُل عَرَفَ الْحَقّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُل عَرَفَ الْحَقّ فَجَارَ في الْحُكْمِ فَهُوَ في النّارِ وَرَجُل قَضَى لِلنّاسِ عَلَى جَهَلٍ فَهُوَ في النّارِ).
وفي صحيح الإمام مسلم باب بيان أن الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات، ثم روى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أنه قَالَ (إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ) وعن عبد الله بن المبارك أنه قال (الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء).
وفي هذا يقول النووي رحمه الله (لا يجوز استفتاء غير الثقة) أي لا يجوز لك أن تستفتي في أمر دينك إلا ثقة ضابطاً متقناً، يوثَق بدينه ومعرفته ويُعتمَد عليه، فيا أخي المسلم يا من تهتم بدينك لا تغتر بالشكل ولا بالزي ولا بالشهرة ولا بالمنصب، فقد قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم (يَخرُجُ في آخِرِ الزّمَانِ رِجَالٌ يَخْتِلُونَ الدّنْيَا بالدّينِ، يَلْبَسُونَ لِلنّاسِ جُلُودَ الضّأْنِ مِنَ الّلينِ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ السّكّرِ وَقُلِوبُهُمْ قُلُوبُ الذّئَابِ يَقُولُ الله عز وجل أَبي يَغْتَرّونَ أَمْ عَلَيّ تَجْتَرِئُونَ؟ فَبِي حَلَفْتُ لأَبْعَثَنّ عَلَى أُولَئِكَ مِنْهُمْ فِتْنَةً تَدَعُ الْحَلِيمَ مِنْهُمْ حَيْرَاناً).
يا أخي المسلم لا تقل أعجبني شكله أو هذا مشهور يحاضر على الفضائيات أو هذا ما أهواه وأميل إليه، فقد ورد في الأثر (حُبُّكَ لِلشَّيْءِ يُعْمِي وَيُصِمُّ).
الخطبة الثانية
وأما حديث (استفت قلبك) فهو للعلماء المجتهدين وليس لعوام الناس لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله للصحابي الجليل وابصة بن معبد رضي الله عنه أحدِ علماء الصحابة وهو ممن له أهلية استنباط الأحكام، ولا يخفى أن العاميَّ قد يميلُ قلبه إلى ما يخالف الشرع، فكيف يتركُ العامي فتوى المجتهدين المعتبرين ويعمل بما تميل إليه نفسه، فقد روى الإمام أحمد وغيره عن وَابِصَةَ بن معبد رضي اللّه عنه أنه أتى رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال (جِئْتَ تَسألُ عَنِ البِرّ وَالإِثْمِ؟ قال نعم، فقال اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، البِرُّ ما اطْمأنَّت إِلَيْهِ النَّفْس وَاطْمأنَّ إِلَيْهِ القَلْبُ، وَالإِثْمُ ما حاكَ في النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ في الصَّدْرِ، وَإنْ أفْتاكَ النَّاسُ وَأفْتَوْكَ).
أخي المسلم اعرف الحق تعرف أهله، فالحق لا يعرف بالرجال ولكن الرجال يعرفون بالحق، ولا تقل أنا في حيرة وضياع، ولا تجعل الحسد والهوى وتصديق الشائعات مانعا لك من قبول الحق، أقبل على طلب العلم من أهله وأشفق على نفسك وعلى زوجك وأولادك.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ءامين.
هذا وأستغفر الله لي ولكم

خطبة الجمعة فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم

Print Friendly and PDF
بسم الله الرحمان الرحيم
الخطبة الاولى

إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه ونشكرُه ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنا ومِن سيّئاتِ أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريـك له ولا مثيـل له، ولا ندّ ولا ضدّ له، أيَّنَ الأينَ فلا أينَ ولا مكانَ ولا جهةَ له، وكيّف الكيفَ فلا كيفَ ولا شكلَ ولا صورةَ ولا أعضـاءَ لـه، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعيُنِنَا محمّدًا عبدُه ورسولُه، صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرسَلَه، صلواتُ اللهِ البرِّ الرحيمِ والملائكةِ المقرّبين والنبيّينَ والصدّيقينَ والشهداءِ والصَّالحين على سيّدنا محمّدِ بنِ عبدِ الله خاتمِ النبيّينَ وسيّدِ المرسلينَ وإمامِ المتقين وحبيبِ ربّ العالمين، الصلاةُ والسلام عليك يا سيّدي يا علمَ الهدى يا أبا الزهراء يا أبا القاسم يا محمّد، ضاقتْ حيلتُنا وأنتَ وسيلتُنا أدركنا يا رسول الله.
أما بعدُ عبادَ اللهِ فإني أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ العليِّ العظيمِ القائل في محكمِ كتابه (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الأحزاب.
فالصلاةُ على النبيِّ تُكفِّرُ بإذنِ اللهِ ذنبًا عَظيمًا وتورِثُ عِزًّا وتَكرِيمًا، ومعناها اللهمَّ زدهُ شَرَفًا وتعظيمًا ورِفعةً وقَدْرًا، وأما التَّسليمُ فمعناهُ سَلِّمْهُ مِـمّا يخافُ على أُمَّتِه.
فأكثروا مِنَ الصَّلاةِ على النبيِّ وافعلوا ما نَدَبَكُم مولاكُم إليه تلقَوْنَ جنَّةً ونعيما، فقد قال سيِّدُ العالمينَ (صلوا عليَّ فإنَّ صلاتَكُم عليَّ زكاةٌ لكُم واسألوا اللهَ تعالى لِيَ الوسيلةَ، قالوا يا رسولَ الله وما الوسيلةُ؟ قال أعلى درجةٍ في الجنّةِ لا ينالُها إلا رجلٌ واحدٌ وأنا أرجو أن أكونَ ذلكَ الرَّجُل). وقال صلى الله عليه وسلم (مَنْ صلّى عليَّ عشْرَ مرَّاتٍ صلى اللهُ عليهِ بها مائةَ مرّة).
إخوةَ الإيمانِ أحبابَ رسول الله صلى اللهُ عليهِ وسلّم أكثروا منَ الصلاةِ على رسول الله فقد قيل في بعضِ الروايات (إنَّ للمصلِّينَ على سيِّدِ المرسلينَ عشرَ كراماتٍ إحداهنَّ صلاةُ الملكِ الغفار، والثانيةُ شفاعةُ النبيِّ المختار، والثالثةُ الاقتداءُ بالملائكةِ الأبرار، والرابعةُ مخالفةُ المنافقين الكفار، والخامسةُ محوُ الخطايا والأوزار، والسادسةُ قضاءُ الحوائجِ والأوطار، والسابعةُ تنويرُ الظواهرِ والأسرار، والثامنةُ النجاةُ منَ النار، والتاسعةُ دخولُ دارِ القَرار، والعاشرةُ سلامُ العزيزِ الجبار).
وقد قال أحدُ الشُّعراء:
هذا النبيُّ محمَّدٌ خيرُ الورى *** ونبيُّهم وبهِ تشرّفَ ءادمُ
هوَ في المدينةِ ثاويا بضريحه *** حقًّا ويسمَعُ من عليهِ يُسلِّمُ
وإذا توسَّلَ مستَضامٌ باسمِهِ *** زال الذي من أجلِه يَتوهَّمُ
صلى عليهِ اللهُ جلَّ جلالُهُ *** ما راحَ حادٍ باسمِهِ يَتَرنَّمُ
فيا ربِّ صلِّ وسلِّم على سيِّدنا محمّدٍ الذي بلغَ أسنى المطالِبِ والمآرِب، اللهمَّ صلِّ وسلِّم على سيِّدِنا ومولانا محمّدٍ الذي فَضَّلْتَهُ على أهلِ المشارِقِ والمغارِب، اللهمَّ صلِّ وسلِّم على جسَدِهِ في الأجسادِ، وصلِّ وسلِّم على اسمِهِ في الأسماء.
قالَ رسولُ الله صلى اللهُ عليهِ وسلّم (أكثروا عليَّ منَ الصلاةِ في يومِ الجمُعةِ فإنَّ صلاةَ أُمَّتِي تُعرَضُ عليَّ في يومِ الجمُعةِ، فمن كانَ أكثَرَهُم عليَّ صلاةً كانَ أقرَبَهُم مِنِّي مَنْزِلةً).
الخطبة الثانية
قال سفيان الثوريّ رضي الله عنه (رأيتُ رجلاً في الباديةِ لا يرفعُ قدَمًا ولا يضَعُ أُخرَى إلا وهو يُصلِّي على النبيّ صلى الله عليه وسلّم،
فقلتُ يا هذا قد تركتَ التسبيحَ والتهليلَ وأَقْبَلْتَ بالصلاةِ على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فهل عندَك مِنْ هذا شىء؟
قال مَن أنتَ؟
قلتُ أنا سفيانُ الثوريّ،
فقال لولا أنتَ غريبٌ في أهلِ زمانِكَ ما كشفتُ عن حالي ولا أطلعتُكَ على سِرِّي، ثُمّ قال خرجتُ أنا وَوَالِدِي حاجَّيْنِ إلى بيتِ اللهِ الحرام حتى كُنّا في بَعْضِ المنازلِ مَرِضَ وَالِدِي فقمتُ لأعالِجَه فبينما أنا عندَ رأسِهِ ماتَ واسوَدَّ وجهُه، فجرّيتُ الأزرارَ على وجهِه، فغلبتني عيناي فنِمْتُ فإذا أنا بِرَجُلٍ لم أرَ أجملَ منهُ وَجهًا ولا أنظفَ منه ثوبًا ولا أطيبَ منه رِيحًا يرفعُ قدَمًا ويضَعُ قدمًا أُخرى، حتى دنا مِن والدِي فكشفَ الثوبَ عن وجهِهِ وأمرَّ بيدِه على وجهِه فعادَ وجهُه أبيضَ ثُمّ ولّى راجعًا، فتعلَّقْتُ بثوبِهِ فقلتُ له: مَن أنتَ يرحمُك اللهُ لقدْ منَّ اللهُ بكَ على والِدِي في دارِ الغُربة؟ فقال: أوَما تعرفُني؟ أنا محمّدُ بنُ عبدِ الله، أنا صاحبُ القُرءان، أما إنَّ والدَكَ كانَ مُسرِفًا على نفسِه (أي يقعُ في المعاصي) ولكنْ كان يُكثرُ الصلاةَ عليّ، فلمّا نزلَ بهِ ما نزلَ، استغاثَ بي فأنا غياثُ مَنْ أكثرَ الصلاةَ عليّ ، قال فانتبهتُ مِنْ نَوْمِي فكشفتُ عنْ وجهِ أبي فإذا وجهُهُ أبيضُ).
اللهمّ صلِّ على سيّدِنا محمّدٍ أجودِ الذوات وأصدقِ الصادقين، اللهمّ صلِّ على سيّدِنا محمّدٍ أبلغِ البُلَغَاءِ وأكملِ الكاملين، اللهمّ صلِّ على سيّدِنا محمّدٍ أفصحِ الفُصحاءِ وأفضلِ الفاضِلين، اللهمّ صلِّ على سيّدِنا محمّدٍ خاتمِ المرسلين وخاتمِ النبيّين، اللهمّ صلِّ على سيّدِنا محمّدٍ النقيِّ من الآفاتِ وأطهرِ الطاهرين، اللهمّ صلِّ على سيّدِنا محمّدٍ بُرهانِ الأتقياءِ وشفيعِ المذنبين، فيا ربِّ بجاه الملائكةِ المقرّبينَ والأنبياءِ والمرسلين وبجاه الشهداءِ والصالحين والعلماءِ العاملينَ وبجاه كلِّ مَنْ لهُ جاهٌ عندَكَ عطِّف قلبَ الحبيب المصطفى علينا وداوِنَا بنظرةٍ منه يا اللهُ يا الله يا الله وأكرمنا بزيارتِه ومجاورتِه مع حُسنِ الحال واجعل تربتَنا البقيعَ، اللهمّ شفّعهُ فينا وأوردنا حوضَه وارزقنا شربةً من يدِه لا نظمأُ بعدَها أبدًا يا أرحمَ الراحمين يا أرحمَ الراحمين.
هذا وأستغفر الله لي ولكم

خطبة الجمعة من صفات سيدنا محمد

Print Friendly and PDF
بسم الله الرحمان الرحين
الخطبة الاولى
إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستهديه ونستغفرُه ونشكرُه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحقّ المبين، وأشهد أنّ سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم، عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين من أرسله الله رحمة للعالمين.
أما بعد عبادَ الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ القدير الذي أرسلَ محمدًا بالهدى ودينِ الحقِّ لِيُظهرَه على الدِّينِ كلِّه وكفى بالله شهيدًا.
أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم الذي رحمنا ببعثة محمد وأنزل على قلب حبيبه محمد (وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً) الأحزاب 48.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيِّدنا محمدٍ وعلى ءالِ سيِّدنا محمدٍ المُنْـزَلِ عليه (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) التوبة 128.
هو محمدٌ الذي جعلَ اللهُ خُلُقَه القرءان، هو محمدٌ الذي يَرضى بما يرضاهُ القرءانُ ويتأدّبُ بآدابه ويتخلَّقُ بأخلاقِه ويلتزِمُ أوامرَه ولا يغضَبُ لنفسِه إلا إذا ارتُكِبَت محارمُ الله، هو محمدٌ الذي بعثَه اللهُ الرحمنُ بالإرفاقِ أي رِفقًا بهذه الأمّةِ لكي يتمّمَ مكارمَ الأخلاق، هو محمدٌ أشجعُ الناسِ أي أقواهُم قلبًا وأكثرُهم جراءةً لملاقاةِ العدوّ، هو محمدٌ الذي ما سُئل عن شىءٍ قطُّ يعني عن أيِّ حاجةٍ من متاعِ الدُّنيا يُباحُ إعطاؤها فقال لا، إلا إذا كان شيئًا لا يَجِدُهُ، هو محمدٌ الذي كانَ أصدقَ الناسِ لهجةً وأَوْفَى الناسِ ذِمّةً وأحسنَ الناس مُعاشرةً.
نَظَرُه للأرضِ منه أكثرُ *** إلى السماءِ خافِضٌ إذْ يَنْظُرُ.
كانَ نظرُه إلى الأرضِ أكثرَ منْ نظرِه إلى السماء، يعني نظرُه إلى الأرضِ حالَ السُّكوتِ وعدمِ التّحدُّثِ أطولُ من نظَرِه إلى السّماء، أما حالَ التّحدُّثِ يرفعُ طَرْفَه إلى السّماء (أيْ إشارةً إلى أنّ السماءَ قبلةُ الدُّعاءِ ومَهبِطُ الرَّحَماتِ والبركاتِ والوحْيِ)، وكان لا يُثَبِّتُ بصرَه في وجهِ أحدٍ لِشدّةِ حيائِه، هو محمدٌ الذي كانَ أكثرَ الناسِ تواضعًا وكانَ أشدَّ الناسِ لأصحابِه إكرامًا لهم ومِن ذلك أنه كانَ لا يمدُّ رجلَه بينَ جُلَسَائِه احترامًا لهم، وكانَ أرحمَ الناسِ بكلِّ مُؤمن، ولا يختَصُّ بِرحمتِه مَن يعقِلُ فقط بلْ تَعمُّ رَحمتُه حتى مَن لا يعقِل كالوحشِ والطَّير، حتى الهرّةُ تأتيْهِ فيُصْغِي لها الإناءَ (أي يُمِيلُه) لتشربَ (حتى يسْهُلَ عليها أنْ تشربَ منه) وكانَ يفعلُ ذلكَ غيرَ مرّةٍ بلْ كلُّ هِرّةٍ أَتَتْه يفعلُ بها ذلك، هو محمدٌ الذي كانَ يمشي معَ المِسكينِ والأرمَلَةِ إذا أتياهُ في حاجةٍ ما، وكان لا يُواجِهُ أحدًا مِنَ الناسِ بشىءٍ يكرَهُه لا سيما جليسَه بل يواجهُه بالرِّضا إلا أنْ تُنْتَهَكَ حُرُماتُ الله، وكان يقولُ إذا بلَغَه عن أحدٍ ما يَكرَهُه (ما بالُ أقوامٍ يصنَعُون كذا) ولا يقولُ ما بالُ فلانٍ يفعل كذا، بل كان يقولُ (ما بالُ أقوامٍ يصنَعُونَ كذا)، إلا إذا دعَتِ الحِكمةُ الشّرعيةُ إلى ذلك.
كانَ مِن شِدّةِ رَحمةِ المصطفى صلى الله عليه وسلم بالخَلْقِ أنه قيلَ له [لو دَعَوْتَ على مَن وَطِىءَ ظَهْرَكَ (هذا حصَل مرَّةً مِن بَعضِ كُفّارِ قُريشٍ وهو ساجدٌ وطِئَ أي داسَ) وأَدْمَى وجهَكَ وكسَرَ رَباعِيَتَكَ ولو دعوتَ على دَوْسٍ وغيرِهم مِنَ الكُفّار] فقال [إنما بُعِثتُ رًحمةً ولم أُبعثْ لَعّانًا] فلم يُجِبْ مَن سألَه إلى الدعاءِ عليهم بل دعا لهم فقال [اللهمَّ اهدِ دَوْسًا وَأْتِ بهم مُسلمين] فأصبَحُوا رُؤساءَ في الإسلام، ودوسٌ قبيلةٌ مِن اليمن.
وكانَ صلى الله عليه وسلم يمزحُ معَ أصحابِه مؤانسةً لهم وتآلفًا لِما كانوا عليه مِن شدّة، فكان يُمازِحُهم تخفيفًا عليهم لكنَّه لا يقولُ إلا حقًا لأنه معصومٌ عنِ الكذِب.
وكانَ صلى الله عليه وسلم يجلسُ في الأكلِ معَ العبيدِ الأرِقّاءِ ويَتشبَّهُ بهم في الجلوسِ للأكلِ فلا يَترفَّعُ عليهم ويقول [إنما أنا عبدٌ ءاكُلُ كما يأكُلُ العبدُ وأجلِسُ كما يجلِسُ العَبد].
مَجلِسُه صلى اللهُ عليه وسلم مجلسُ حِلمٍ وصَبرٍ وحياء، يبدأُ مَنْ لَقِيَه بالسّلامِ ويُؤثِرُ الداخلَ عليه بالوِسادةِ أو يبسُطُ له ثوبًا زِيادةً في إكرامِه، وكانَ لا يقولُ في حالةِ الرِّضا والغضَبِ إلا الحقَّ قَطعًا لِعِصْمَتِه صلواتُ ربي وسلامُه عليه.
وعن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها عندَما سُئلتْ عن خُلُقِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالت (لم يَكُنْ فاحِشًا ولا مُتفحِّشًا، ولا سَخَّابًا في الأسواق، ولا يَجزِي بالسّيئةِ السّيئة، ولكنْ يَعفو ويَصفحُ أو قالت يعفُو ويغفِر)، شكّ أبو داود.
أما أخبارُ كرمِه وسخائِه فعديدةٌ منها ما رواهُ مسلمٌ عن أنسٍ رضي الله عنه أنه قال (ما سُئلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على الإسلامِ شيئًا إلا أعطاه، فأتاه رجلٌ فسألَه، فأمرَ له بغنمٍ بينَ جَبَلَين، فأتى قومَه فقال: أسلِمُوا، فإنّ محمدًا يُعطي عطاءَ من لا يخافُ الفاقة).
أما أخبارُ زهدِه وتواضُعِه واختيارِه الدارَ الآخرةَ فكثيرةٌ منها ما رواهُ البيهقيُّ والترمذيُّ وابنُ ماجه عن عبدِ الله أنه قال: اضطجَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على حصيرٍ فأَثَّرَ الحصيرُ بجلدِه، فَجَعَلْتُ أمسَحُه عنه وأقول بأبي أنتَ وأُمي يا رسولَ الله، ألا أذِنتنا فنبسُطُ لكَ شيئًا يقيكَ منه تنامُ عليه، فقال [ما لي ولِلدُّنيا، وما للدُّنيا ومالي، إنما أنا والدُّنيا كراكبٍ استظلَّ تحتَ شجرةٍ ثمَّ راحَ وتَرَكَهَا].
فقد كانَ صلى الله عليه وسلم مُتَّصِفًا بصفاتٍ حسنةٍ منَ الصِّدق، والأمانةِ، والصِّلَة، والعفافِ، والكَرَمِ، والشجاعةِ، وطاعةِ اللهِ في كلِّ حالٍ وأوانٍ ولحظةٍ ونفَسٍ، معَ الفصاحةِ الباهرةِ والنُّصحِ التّامِّ، والرَّأفةِ والرَّحمةِ، والشَّفَقَةِ والإحسانِ، ومواساةِ الفقراءِ والأيتامِ والأراملِ والضُّعفاءِ، وكانَ صلى الله عليه وسلم أشدَّ الناسِ تواضعًا، يحبُّ المساكينَ ويَشهَدُ جنائزَهُم، ويعودُ مرضَاهم، هذا كلُّه معَ حُسْنِ السَّمْتِ والصُّورة، والنَّسَبِ العظيم، قال اللهُ تعالى (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) سورة الأنعام 124.
ياسيدي يا قرة عيني يارسول الله، نظرة منكم ياسيدي يا محمّد.
اللهمّ عَطِّفْ قلبَ نبيِّك محمّدٍ علينا وداوِنا بنظرةٍ منه يا أرحمَ الراحمينَ يا الله.
هذا وأستغفر الله لي ولكم

خطبة الجمعة عَذَابُ القَبرِ وسؤالُهُ

Print Friendly and PDF
بسم الله الرحمان الرحيم
الخطبة الاولى

إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستهدِيهِ ونشكرُه ونستغفرُه ونتوبُ إليهِ ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيِّئاتِ أعمالِنا مَنْ يَهدِ اللهُ فَلا مُضلَّ لهُ ومَنْ يُضللْ فَلا هَاديَ لَهُ.
وأشهدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لهُ ولا مَثيلَ لهُ جَلَّ رَبِّي سُبحانَهُ وتعَالى عَنِ القُعودِ والجلوسِ والتحيُّزِ في الجِهَةِ والمكانِ فهوَ خالقُ الأماكنِ والجهاتِ وهوَ غنيٌّ عنهَا لا يحتاجُ رَبُّنَا سبحانَهُ وتعالَى لِلعرْشِ ولا للكرسيِّ ولا للسمَـواتِ ولا للأرضينَ ولا لأيِّ شَىءٍ مِنْ خَلْقِهِ فهوَ القائلُ سبحانَهُ [قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ {1} اللهُ الصَّمَدُ {2}] سورةَ الإخلاص، أيِ المستغني عَنْ كُلِّ مَا سِواهُ والمفتقرُ إليهِ كُلُّ مَا عَدَاهُ.
وأشهدُ أنَّ سَيِّدَنا وحَبيبنَا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمَّدًا عَبدُه ورَسولُه وصفيُّه وحَبيبُه بَلَّغَ الرِّسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونَصَحَ الأُمَّةَ فجزَاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزَى نَبيًّا مِنْ أنبيائِه.
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارِكْ عَلى سَيِّدِنا محمَّدٍ طِبِّ القلوبِ ودوائِها وعافيةِ الأبدانِ وشفائِها ونورِ الأبصَارِ وضيائِها وعَلى ءالِه وأصحابِه الطيِّبينَ الطاهِرِينَ ومَنْ تَبِعَهُم بإحسَانٍ إِلى يَومِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ عِبادَ اللهِ فإني أُوصيكُمْ ونَفْسِيْ بتَقْوَى اللهِ العَليِّ القديرِ القائِلِ في مُحْكَمِ كِتابِه [النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ءالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ] سورةَ غافر46.
يُخبِرُ اللهُ تباركَ وتعَالى أنَّ ءالَ فِرعونَ أيْ أتباعَهُ الذِينَ اتَّبعوهُ عَلى الكفْرِ والشِّركِ يُعرَضونَ عَلى النَّارِ في البرْزخِ أيْ في مُدَّةِ القبرِ، والبرْزخُ مَا بينَ الموتِ والبعثِ، يُعرَضونَ عَلى النَّارِ عَرْضًا مِنْ غيرِ أنْ يَدخُلوهَا حَتى يَمتلئوا رُعْبًا أولَ النهارِ مرةً وءاخِرَ النهارِ مَرَّةً، ويومَ القيامةِ يُدخَلونَ النَّارَ.
ورَوَى البُخاريُّ ومسلمٌ عَنْ أنَسٍ عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أنَّهُ قالَ [إِنَّ العبْدَ إذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ وتوَلَّى عنهُ أصحابُه وإنَّهُ لَيَسمعُ قرْعَ نعالهِمْ إذَا انصَرفوا أتاهُ ملَكانِ فيُقعدانِه فيقولانِ مَا كنتَ تقولُ في هذا الرَّجُلِ (أيْ محمّدٍ)؟ فأمَّا المؤمِنُ (أيِ الكامِلُ) فيقولُ أشهدُ أنَّهُ عبدُ اللهِ ورسولُه فيُقالُ انظُرْ إِلى مقعدِكَ مِنَ النَّارِ أبدلَكَ اللهُ بهِ مَقعدًا مِنَ الجنَّةِ فيراهُما جميعًا وأمَّا الكافرُ أوِ المنافِقُ فيقولُ لا أدْرِي كنتُ أقولُ مَا يقولُ الناسُ فيهِ فيُقالُ لا دَريتَ ولا تلَيتَ ثمَّ يُضرَبُ بمطرقةٍ مِنْ حديدٍ بينَ أذُنَيهِ فيصيحُ صيحةً يسمعُها مَنْ يليهِ إلا الثقَلَينِ].
إنَّ العبدَ إذا وُضِعَ في قَبرِه وتَولَّى عنهُ أصحابُه وإنَّه لَيَسمعُ قرْعَ نعالهِمْ إذَا انصرَفوا فقدْ سألَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ عندمَا ذَكَرَ رسولُ اللهِ فتَّانيِ القبرِ أيْ منكرًا ونكيرًا قالَ عُمَرُ أتُرَدُّ عَلينا عقولُنا يَا رسولَ اللهِ؟ قالَ نعَم كهيئتِكُمُ اليومَ، قالَ فبفيهِ الحجَرُ أيْ ذاكَ الخبرُ الذِي لم أكنْ أعرفُه، وسَكتَ وانقطعَ عنِ الكلامِ، إنَّ العبدَ إذَا وُضِعَ في قبرِهِ وتَولَّى عنهُ أصحابُه إنَّهُ لَيسمعُ قرْعَ نعالهِمْ إذَا انصرَفوا أتاهُ ملَكانِ. ومَنْ هُما الملَكانِ؟ همَا منكرٌ ونكيرٌ وقدْ سُمِّيَا مُنكرًا ونكيرًا لأنَّ الذِي يراهُما يَفزعُ مِنهما، منكرٌ معناهُ هذِه الهيئةُ غيرُ معروفةٍ، هَيئتُهما تختلفُ عنْ سائرِ الملائكةِ وعنِ الإنسِ والجنِّ همَا أسودانِ أزرقانِ لونُهما ليسَ منَ السوادِ الخالصِ بلِ الأسودُ الممزوجُ بالزرقةِ وهذَا يكونُ أخوفَ مَا يكونُ مِنَ الألوانِ، عيونُهمْ كقدورِ النّحاسِ أنيابُهم كقرونِ البقرِ حَتى يَفزعَ الكافرُ منهمَا.
أمَّا المؤمِنُ التقيُّ الذِي التزمَ طاعةَ اللهِ فلا يخافُ مِنهُما، اللهُ يثبِّتُه، يُلْهِمُه الثباتَ وهمَا لا يَنظرانِ إليهِ نظرةَ غضبٍ، اللَّهُمَّ بجاهِ كُلِّ اسمٍ عظيمٍ هوَ لكَ وبجاهِ حبيبِكَ محمَّدٍ بَلِّغْنَا التقوَى وثبِّتْ قلوبَنا يَا أرحمَ الرَّاحمينَ.
فيُقعدانِه فيقولانِ ما كنتَ تقولُ في هذَا الرَّجلِ محمَّدٍ؟ فأمَّا المؤمِنُ أيِ التقيُّ الذِي أدَّى مَا أوجَبَ اللهُ عليهِ واجتنبَ الحرامَ فيقولُ أشهدُ أنَّه عبدُ اللهِ ورسولُه فتؤخَذُ رُوحُه إِلى مكانٍ يَنظرُ مِنه إِلى جهنَّمَ فيَرى مقعدَهُ في النَّارِ لَوْ كانَ ماتَ عَلى الكفْرِ.
وتؤخَذُ رُوحُه إِلى مكانٍ قرْبَ الجنَّةِ فيَرى مقعدَهُ الذِي يَتبوَّؤُهُ في الآخِرةِ فيَعرِف فَضْلَ الإسلامِ حينَ ذلكَ معرفةً عِيانيَّةً كمَا كانَ يعرفُ في الدُّنيَا معرفةً قلبيةً، اللَّهُمَّ أَحْيِنَا عَلى الإسلامِ وأمِتْنا عَلى كامِلِ الإيمانِ يا رَبَّ العالمَينَ.
أمَّا الكافِرُ الذِي كانَ في الدُّنيا عَلى غيرِ الإسلامِ كمَنْ كانَ يَسُبُّ اللهَ أوِ الإِسلامَ أوِ الشَّريعةَ أوِ الأنبياءَ أوِ الملائكةَ أوْ يَعتقدُ أنَّ اللهََ جِسْمٌ أوْ ضَوءٌ أوْ رُوحٌ أوْ يَرمِيْ المصحفَ في القاذوراتِ والعياذُ باللهِ فهذَا يُضرَبُ بمطرقةٍ مِنْ حديدٍ بينَ أذُنَيْهِ لوْ ضُرِبَ بهَا الجبلُ لاندَكَّ فيصِيح صيحةً يسمعُها مَنْ يَلِيْهِ مِنْ بهائمَ وطيورٍ إلا الإِنْسَ والجِنَّ فإنَّ اللهَ حَجَبَ عنهُمْ ذلكَ.
ثمَّ يُقالُ للأرضِ التئمِيْ عليهِ فَيضِيقُ عليهِ القبرُ حَتى تتشابكَ أضلاعُه ثمَّ هَذا العبدُ الكافرُ لا يزالُ معذَّبًا بهذَا العَذابِ حَتى يَبعثَهُ اللهُ ثمَّ بعدَ أنْ يُبعَثَ يُعذَّبُ بأشياءَ غيرِ التي كانَ يُعذَّبُ بهَا وهوَ في القبرِ ثمَّ بعدَ دخولِه النارَ يكونُ أشدَّ وأشدَّ فهوَ خالدٌ في النَّارِ أبَدًا لا يموتُ فيهَا ولا يَحيا أيْ لا يحيا حَياةً فيهَا راحةٌ ويزيدُ اللهُ في حَجمِ الكافرِ في النَّارِ لِيزدادَ عَذابًا حَتى يكونَ ضِرسُه كجَبلِ أحُدٍ، اللَّهمَّ احفظْ علينَا دِينَنا الذِي جَعلْتَهُ عصمةَ أمْرِنَا يَا ذَا الجَلالِ والإِكْرامِ.
فَيا أخِيْ المسلمَ حَصِّنْ نفْسَكَ بعِلْمِ الدِّينِ، تدارَكْ نفْسَكَ بعِلْمِ الدِّينِ لأنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يعيشُ عمُرَهُ عَلى غَيرِ الإِسلامِ وهوَ يَظُنُّ بنفْسِه الإسلامَ فعندَ الموتِ يَعرفُ أنَّه لم يَكنْ عَلى الإسلامِ عندمَا يَأتيهِ مَلَكُ الموتِ عَزرائيلُ ويقولُ له يا عَدُوَّ اللهِ إِلى النَّارِ أبشِرْ بسخَطِ اللهِ وعذابِه.
اللَّهُمَّ أحسِنْ ختامَنا وتوفَّنا وأنتَ راضٍ عنَّا يا رَبَّ العالمينَ.
هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم

خطبة الجمعة مُعْجِزَةُ الإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ

Print Friendly and PDF

خطبة الجمعة الاستقامة على الطاعة

Print Friendly and PDF

خطبة الجمعة لنَغْنَمْ لَيْلَةَ القَدْرِ

Print Friendly and PDF

خطبة الجمعة تفسير سورة العصر

Print Friendly and PDF

خطبة الجمعة مولد المختار وإمام الأبرار

Print Friendly and PDF

2018/09/23

خطبة الجمعة عن الوضوء

Print Friendly and PDF

خطبة الجمعة معنى الشهادة الثانية

Print Friendly and PDF

خطب الجمعة الوقوف بعرفة

Print Friendly and PDF

خطبة الجمعة اغتنم خمسا قبل خمس

Print Friendly and PDF


Print Friendly and PDF

خطب الجمعة اغتنم خمسا قبل خمس

Print Friendly and PDF

خطبة جمعة عن بـر الأم

Print Friendly and PDF
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه شهادة منُزّهة عن الشكِّ والشبهات، وأشهد أنَّ محمّدًا عبده ورسوله وصفيّه وحبيبه صلّى الله عليه وعلى كلّ رسول أرسله.
أمّا بعد عباد الله فإنّي أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ العظيم القائل في كتابه الكريم : ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾الآية /سورة الإسراء / الآية 23
وها هو أفضل الخلق سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم قد سئل : أيّ العمل أفضل؟ أي بعد الإيمان بالله والرسول فقال: الصلاة في وقتها، قال السائل : ثمّ أيّ ؟ قال: برّك لوالديك.
إخوة الإيمان، إنّ فضل برِّ الوالدين عند الله عظيم، ولذلك قال الله تعالى:﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ الآية .
ثمّ إنّ برّ الأمّ أعظم ثوابًا من برّ الأب كما أنّ عقوق الأمّ أشدّ إثْمًا من عقوق الأب، والعقوق هو إيذاء أحدهما أذًى غير هيّن كضرب أحدهما أو كشتم أحدهما. فمن هنا نجد أنّه لا بدّ لنا من أن نبيّن بعض ما ورد في أمر برّ الأمّ. ففي الحديث أنّ صحابيًّا قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ فقـال لـه الرسول: أمّك. قال: ثمّ من؟ قال:أمّك. قال: ثمّ من؟ قال: أمّك. قال: ثمّ من؟ قال: أبوك.
ففي برِّهما خير عظيم، ولكن يفهم من هذا الحديث وغيره أنّ فضل برِّ الأمِّ عند الله أعظم من برِّ الأب. فالأمّ هي التي حملت ولدها في بطنها تلك الشهور، والأمّ هي التي تألّمت عند الولادة تلك الآلام، والأمّ هي التي أرضعت ولدها الليل والنهار، والأمّ هي التي رعت في بيتها أسرتها فأوْلتها العناية وأعطتها الاهتمام لتخرج إلى المجتمع قادةً وسادة وأمراء ووزراء وعلماء وأمّهات وزوجات، فالأمّ قد قيل فيها:
الأمّ مدرسـة إذا أعددتَهـا أعددت شعبًا طيِّب الأعراقِ
فالأمّ أولى بالبرِّ من سائر الناس فهي أعظم الناس حقًّا على الرجل. وفي حكم الرجل المرأة غير ذات الزوج فهي والرجل في هذا سواء. وقد ورد في الحديث الذي رواه الحاكم في مستدركه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “أعظم الناس حقّا على المرأة زوجها وأعظم الناس حقّا على الرجل أمّه”.
فهذا الحديث فيه بيان أعظميّة حقّ الرجل على المرأة على حقّ غيره، وفيه أيضًا بيان عظم حقّ الأمِّ على الرجل.
إخوة الإيمان، ها نصيحة من القلب لكل من أراد رضا الله وطلب الفوز بالمراتب العليا الزم طاعة الله وكن حريصًا على تحصيل الثواب في صحيفة عملك وتمسّك بهدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهو الذي أوصانا بوصايا، ومن جملة ما أوصى به برِّ الأم تلك الخصلة العظيمة.
وقد جاء عن بعض الصحابة أنه من شدّة حرصه على ذلك كان لا يأكل في قصعة أي في صحن واحد مع أمّه وذلك حتى لا يأكل شيئًا لعلّ عين أمّه وقعت عليه. فانظروا رحمكم الله إلى هذا الأدب المحمّديّ، خصال خير إذا ما تمسكنا بها ازدادت البركات فيها بيننا.
إخوة الإيمان، وهاكم قصّة توضح لنا هذه المعاني الطيبة نتلمّس منها فضل برِّ الأمِّ وما في ذلك من بركة تعود على الأبناء. فلقد ذُكر أنّ رجلاً مسرفًا على نفسه يلهو ويعبث ويفعل ما حرّم الله كان له أمّ صالحة تأمره بترك ذلك وتنصحه بسلوك طريق التوبة وهو لا يلتفت لنصحها إلى أن مرض مرضًا أضجعه، وهو على فراش الموت قال لأمّه: يا أمّاه إذا أنا متّ فاتبعيني إلى قبري فإذا وضعوني فيه انزلي أنت أيضًا فيه ثم ضعي قدمك على رقبتي وقولي يا ربّ إني قد رضيت عنه فارضى اللهمّ عنه.
فلمّا توفّي لم تجد من يقوم معها بتهيئة الجنازة فغسّلته وكفّنته ثمّ استأجرت أربعة رجال للصلاة عليه ودفنه ثمّ خرجت الجنازة من البيت ولم يخرج معها إلا الأربعة الذين استأجرتهم وهذه الأمّ الحزينة على ولدها.
فرأى الجنازة عالم من العلماء استغرب أمرها فلحق بها ليعرف من هذا الذي لم يهتمّ بجنازته إلا القليل وخلفه امرأة فإذا به يلمح الأمّ قد نزلت في القبر كما أوصى ولدها ووضعت قدمها على رقبته وقالت: اللهمّ إني قد رضيت عنه فارضى اللهمّ عنه. ثم انصرفت وبقي العالم عند القبر فسمع صوتًا من القبر يقول: إن الله قد رضي عنه برضائك عنه.
هذا وأستغفر الله لي ولكم
 الحمد لله رب العالمين

خطبة الجمعة قصة الذبيح إسماعيل والأضحية

Print Friendly and PDF
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا من يهدِ اللهُ فلا مضلّ له ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله من بعثه الله رحمة للعالمين هاديًا ومبشّرًا ونذيرا بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأُمّة فجزاه الله عنّا خير ما جزى نبيًّا من أنبيائه، صلوات الله وسلامه عليه وعلى كلِّ رسولٍ أرسله .
أما بعد فيا عباد الله أوصي نفسي وأوصيكم بتقوى الله العلي العظيم . يقول الله تعالى في القرءان العظيم: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾
إن نبيّ الله إبراهيم عليه السلام ءاتاه الله الحُجّة على قومه وجعله نبيًّا رسولاً فكان عارفًا بالله يعبد الله تعالى وحده ويؤمن ويعتقد أنّ الله خالق كلِّ شىء وهو الذي يستحقّ العبادة وحده من غير شكٍّ ولا ريْب .
ثمّ إنّه ذات يوم طلب من ربّه أن يرزقه أولادًا صالحين قال فيما أخبرَ الله به في القرءان: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ﴾فرزقه الله تعالى إسماعيل وإسحاق.
ولمّا كبر إسماعيل وصار يرافق أباه ويمشي معه رأى ذات ليلةٍ سيّدنا إبراهيم عليه السلام في المنام أنّه يذبح ولده ثمرة فؤاده إسماعيل. ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾ الآية.
ورؤيا الأنبياء وحيٌ وأراد أن يعرف قرار ولده ﴿فَانظُرْ مَاذَا تَرَى﴾ لم يقصد إبراهيم أن يشاور ولده في تنفيذ أمر الله ولا كان متردّدًا إنّما أراد أن يعرف ما في نفسية ولده تجاه أمر الله.
فجاء جواب إسماعيل جواب الولد المحبّ لله أكثر من حبّه للحياة ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ وأما قوله إِن شَاء اللَّهُ لأنّه لا حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله تكون.
اسمعوا إخوة الإيمان أخذ إبراهيم النّبيّ الرسول (خليل الرحمن) ولده ثمرة فؤاده وابتعد به حتى لا تشعر الأمّ وأضجعه على جبينه قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾
وللملاحظة إخوة الإيمان الجبهةُ بين الجبينين. أضجعه على جبينه. فقال إسماعيل: يا أبتِ اشدُد رباطي حتى لا أضطرب واكفف عنّي ثوبكَ حتى لا يتلطّخ من دمي فتراه أمّي فتحزن، وأسرع مرّ السكّين على حلقي ليكون أهون للموت عليّ.
فإذا أتيت أمّي فاقرأ عليها السلام منّي. فأقبل عليه إبراهيم يقبّله ويبكي ويقول نِعمَ العونُ أنت يا بنيّ على أمر الله. فأمرّ السكّين على حلقه فلم يحكِ شيئًا وقيل انقلبت. فقال له إسماعيل مالَك؟ قال انقلبت فقال له اطعن بها طعنًا فلمّا طعن بها نَبَتْ ولم تقطع شيئًا، وذلك لأنّ الله هو خالق كلِّ شىء وهو الذي يخلق القطع بالسكّين متى شاء .
وقد علم الله تعالى بعلمه الأزليّ الذي لا يزيد ولا ينقص ولا يتجدّد الصدق في تسليمهما. ونوديَ يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا هذا فداء ابنك فنظر إبراهيم فإذا جبريل معه كبش . قال تعالى: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ أي أنّ الله تعالى خلّص إسماعيل من الذبح بأن جعل فداء له كبشًا أقرن عظيم الحجم والبركة.
إخوة الإيمان مع اقتراب يوم الوقوف بعرفة أحببنا أن نذكّركم بهذه القصّة العظيمة التي تزيدنا يقينًا بعظمة الأنبياء عليهم السلام الذين كانوا مسلّمين لله عزّ وجلّ مسرعين إلى طاعته. فسارعوا في هذه الأيّام المباركة بالتوبة إلى الله، وأكثروا يوم عرفة بالدّعاء، أن ينصرَ الله تعالى هذه الأمّة ويخفّف عنها، في اليوم الذي يجتمع مئات الآلاف من المسلمين على أرض عرفة أدعو الله تعالى أن يجمع كلمة المسلمين ويوحّد صفوفهم وينصرهم على عدوِّه وعدوِّهم إنّه على كلِّ شىء قدير.
في يوم عرفة يوم يجتمع النّاس هناك تذكّروا يوم المحشر واعملوا لذلك اليوم العظيم.
في يوم عرفة أكثروا من الدعاء والاستغفار والتهليل والصلاة على النّبي محمّد صلى الله عليه وسلم القائل في حديثه الشريف: “ما رؤيَ الشيطان أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا أنّ الرحمة تنْزل فيه فيتجاوز عن الذنوب العظام”.
اللهمّ اغفر لنا وتجاوز عنّا سيّئاتنا إنّك أنت الغفور الرحيم .
هذا وأستغفر الله .
الخُطبةُ الثانيةُ
الحمد لله ثمّ الحمد لله والصلاة والسلام على محمّد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أمّا بعد فيا عباد الله أوصي نفسي وإيّاكم بتقوى الله العليّ العظيم .
ليعلم أيّها الأحبّة أنّ الأضحية سُنّة سيّدنا إبراهيم عليه السلام فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ضحّوا وطيّبوا أنفسكم فإنّه ما من مسلم يستقبل بذبيحته القبلة إلا كان دمها وفرثها وصوفها حسناتٍ في ميزانه يوم القيامة” .
فهذا حثٌّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخيرات والمبرّات والإنفاق لوجه الله تعالى .
والأضحية سُنّةٌ مؤكّدة في حقِّ الموسر، لمن كان في مكّة للحجّ ولمن كان في سائر بلاد الدنيا. ويدخل وقتها إذا مضى بعد دخول وقت صلاة عيد الأضحى قدر ركعتين وخطبتين فإن ذبح قبل ذلك لم يجزئه وذلك لحديث الشيخين عن البراء رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النّحر بعد الصلاة فقال: “من صلّى صلاتنا هذه ونسك نسُكَنا فقد أصاب سُنّتنا ومن نسك قبل صلاتنا فتلك شاة لحم فليذبح مكانه”.
ويبقى وقتها إلى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق وقد اتفقت نصوص الشافعيّة والأصحاب على أنّه لا يجوز بيع شىء من الأضحية سواء كانت نذرًا أو تطوّعًا سواء في ذلك اللحم والشحم والجلد والقرن والصوف وغيره ولا يجوز جعل الجلد وغيره أجرة للجزّار .
واعلموا أنّ الله تعالى أمركم بأمرٍ عظيم أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾اللّـهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاة
الحمد لله رب العالمين

خطبة الجمعة عن أَحْكامِ الحَجِّ

Print Friendly and PDF
بِسمِ اللهِ الرَّحمـنِ الرَّحِيم
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُوَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيْه، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَمِنْ سَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، الحَمْدُ للهِ الَّذِي فَرَضَ الحَجَّ وجَعَلَ لَهُ مِيزَةً لَيْسَتْ في غَيْرِهِ مِنَ الفَرائِضِ، فَمَنْ كانَ حَجُّهُ مَبْرُورًا رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ فَكانَ ذَنْبُهُ مَغْفُورًا وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا مَثِيلَ لَهُ وَلا ضِدَّ وَلا نِدَّ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا وَحَبِيبَنا وَعَظِيمَنا وَقائِدَنا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنا محَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَحَبِيبُهُ، مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ هادِيًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا فَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنا محمدٍ وَعَلى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ.
أَمّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ. يَقُولُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى في كِتابِهِ العَزِيزِ ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾سورة ءال عمران/97
ويَقُولُ ﴿الحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾سورة البقرة/197.
اللهُ تَبارَكَ وتَعالى فَرَضَ عَلَيْنا الحَجَّ عَلى الْمُسْتَطِيعِ مِنّا فَهُوَ فَرْضٌ بِالإِجْماعِ عَلى الْمُسْلِمِ إِذا كانَ حُرًّا بالِغًا عاقِلاً مُسْتَطِيعًا. فَإِنْ كُنْتَ يا أَخِي الْمُسْلِمَ قادِرًا عَلى نَفَقَةِ الحَجِّ بِما يُوصِلُكَ ويَرُدُّكَ إِلى وَطَنِكَ زِيادَةً عَنْ دَيْنِكَ وعَنْ ما تَحْتاجُهُ لِمَسْكَنِكَ وكِسْوَتِكَ اللائِقَيْنِ بِكَ ومُؤْنَةِ زَوْجَتِكَ وأَوْلادِكَ الصِّغارِ وغَيْرِهِمْ مِمَّنْ عَلَيْكَ نَفَقَتُهُمْ مِنْ مَسْكَنٍ وكِسْوَةٍ وطَعامٍ مُدَّةَ ذَهابِكَ إِلى الحَجِّ ورُجُوعِكَ مِنْهُ فَإِنَّكَ مُسْتَطِيعٌ يَجِبُ عَلَيْكَ الحَجّ، وأَمّا غَيْرُ الْمُسْتَطِيعِ فَلا يَجِبُ عَلَيْهِ الحَجُّ ولَكِنْ لَوْ حَجَّ صَحَّ حَجُّهُ.
فَإِنْ عَزَمْتَ عَلى الحَجِّ فَٱعْلَمْ أَنَّ لِلْحَجِّ شُرُوطًا وأَرْكانًا وواجِباتٍ ومُحَرَّماتٍ يَجِبُ تَعَلُّمُها عَلى مَنْ أَرادَ الدُّخُولَ في هَذا العَمَلِ لِأَنَّ الجَهْلَ بِها قَدْ يُوقِعُكَ في أَمْرٍ يُفْسِدُ حَجَّكَ وأَنْتَ لا تَدْرِي ولِذَلِكَ قالَ العُلَماءُ إِنَّهُ يَجِبُ عَلى مَنْ أَرادَ الدُّخُولَ في شَىْءٍ أَنْ يَعْلَمَ ما يَحِلُّ مِنْهُ وما يَحْرُمُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيه، نَسْأَلُ اللهَ تَعالى أَنْ يُفَقِّهَنا في الدِّين.
ويَجِبُ تَعَلُّمُ هَذِهِ الأُمُورِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ ولَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْمُطالَعَةِ في الكُتُبِ فَكَمْ مِنْ أُناسٍ قَرَأُوا الكُتُبَ مِنْ غَيْرِ تَلَقٍّ عَلى أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَضَلُّوا وأَضَلُّوا إِمّا لِخَطَإٍ فِيها وإِمّا لِعَدَمِ فَهْمِهِمْ لِعِباراتِهمْ عَلَى الوَجْهِ الصَّحِيحِ كَما يُحْكَى أَنَّ رَجُلاً رُئِيَ يَطُوفُ ومَعَهُ سِكِّينٌ وفَأْرٌ فَلَمّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قالَ هَكَذا قَرَأْتُ في بَعْضِ الكُتُبِ فَلَمّا جُلِبَ الكِتابُ اتَّضَحَ أَنَّهُ أَخْطَأَ في القِراءَةِ والأَصْلُ أَنْ يَطُوفَ بِسَكِينَةٍ ووَقَارٍ.
وها نَحْنُ اليَوْمَ في أَشْهُرِ الحَجِّ الْمُبارَكَةِ والآلافُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَتَهَيَّأُونَ لِزِيارَةِ البَيْتِ الحَرامِ وقُلُوبُهُمْ مُشْتاقَةٌ لِلْحَبِيبِ الْمُصْطَفَى ولِزِيارَةِ تِلْكَ البِقاعِ الطَّيِّبَةِ فَلْتَكُنْ خُطْبَتُنا اليَوْمَ عَنْ بَيانِ بَعْضِ أَحْكامِ الحَجّ.
الحَجُّ إِخْوَةَ الإِيمانِ لَهُ سِتَّةُ أَرْكانٍ مَنْ تَرَكَ واحِدًا مِنْها لَمْ يَصِحَّ حَجُّه. وأَوَّلُ هَذِهِ الأَرْكانِ الإِحْرامُ وذَلِكَ كَأَنْ تَقُولَ في قَلْبِكَ أَدْخُلُ في عَمَلِ الحَجِّ أَوْ نَوَيْت الحَجَّ وأَحْرَمْتُ بِهِ للهِ تَعالى. ولا يَصِحُّ الإِحْرامُ بِالحَجِّ إِلاَّ في أَشْهُرِ الحَجِّ الَّتِي قالَ فِيها رَبُّنا ﴿ الحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾ وهِيَ شَوّالُ وذُو القَعْدَةِ وعَشْرُ لَيالٍ مِنْ ذِي الحِجَّةِ فَمَنْ أَوْقَعَ نِيَّتَهُ قَبْلَ هَذا انْعَقَدَتْ نِيَّتُهُ عُمْرَةً.
وأَمَّا الرُّكْنُ الثانِي مِنْ أَرْكانِ الحَجِّ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الحاجُّ في جُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَةَ ولَوْ لِلَحْظَةٍ مِنْ زَوالِ شَمْسِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلى فَجْرِ لَيْلَةِ العِيدِ ولَوْ كانَ الحاجُّ نائِمًا أَوْ راكِبًا أَوْ مارًّا ولَمْ يَمْكُثْ فِيه.
والرُّكْنُ الثالِثُ مِنْ أَرْكانِ الحَجِّ الطَّوافُ بِالبَيْتِ أَيِ الكَعْبَةِ سَبْعَ مَرّاتٍ سائِرًا أَمامَكَ جاعِلاً البَيْتَ عَنْ يَسارِكَ مُبْتَدِئًا بِالحَجَرِ الأَسْوَد. ولِصِحَّةِ الطَّوافِ أَيْضًا يُشْتَرَطُ سَتْرُ العَوْرَةِ والطَّهارَةُ عَنِ الحَدَثَيْنِ والنَّجاسَةِ لِأَنَّ الطَّوافَ بِمَنْزِلَةِ الصَّلاةِ إِلاَّ أَنَّهُ يَحِلُّ فِيهِ كَلامُ النّاسِ كَما أَخْبَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم.
والرُّكْنُ الرابِعُ مِنْ أَرْكانِ الحَجِّ السَّعْيُ سَبْعًا بَيْنَ الصَّفا والْمَرْوَةِ وهُما بُرُوزانِ مِنْ جَبَلَيْنِ، فَٱبْدَأْ أَخِي الحاجَّ سَعْيَكَ مِنَ الصَّفا حَتَّى تَنْتَهِيَ بِالْمَرْوَةِ فَتُحْسَبُ هَذِهِ واحِدَةً، ثُمَّ ارْجِعْ مِنَ الْمَرْوَةِ حَتَّى تَنْتَهِيَ بِالصَّفا وهَذِهِ تُعَدُّ ثانِيَةً، وهَكَذا حَتَّى تَنْتَهِيَ مِنَ الْمَرَّةِ السابِعَةِ عِنْدَ الْمَرْوَةِ. لَكِنْ تَنَبَّهْ أَخِي الحاجَّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ السَّعْيِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ طَوافٍ ولَوْ كانَ طَوافَ القُدُوم. ولا يَصِحُّ السَّعْيُ إِلاَّ في الْمَكانِ الَّذِي عَيَّنَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ لِلسَّعْيِ فِيهِ بِالإِجْماعِ فَلا يَصِحُّ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفا والْمَرْوَةِ في هَذِهِ الزِّيادَةِ الَّتِي جُعِلَتِ اليَوْمَ فَإِنَّها خارِجَةٌ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي بَيَّنَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ فَمَنْ أَرادَ صِحَّةَ سَعْيِهِ فَلْيَسْعَ في الْمَوْضِعِ القَدِيمِ في الطَّوابِقِ العُلْيا أَوِ الطابَقِ السُّفْلِيِّ.
والرُّكْنُ الخامِسُ مِنْ أَرْكانِ الحَجِّ هُوَ الحَلْقُ أَوِ التَّقْصِيرُ والحَلْقُ لِلرِّجالِ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ لِحَدِيثِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ قِيلَ ولِلْمُقَصِّرِينَ يا رَسُولَ اللهِ فَأَعادَها ثَلاثًا ثُمَّ قالَ وَلِلْمُقَصِّرِينَاهـ أَمّا النِّساءُ فَيُقَصِّرْنَ ولا يَحْلِقْنَ شُعُورَ رُؤُوسِهِنَّ. والحَلْقُ هُوَ اسْتِئْصالُ الشَّعَرِ بِالْمُوسَى وأَمّا التَّقْصِيرُ فَهُوَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنَ الشَّعَرِ شَىْءٌ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْصالٍ. لَكِنِ انْتَبِهْ أَخِي الحاجَّ فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ الحَلْقُ أَوِ التَّقْصِيرُ أَوْ نَتْفُ شَعْرَةٍ قَبْلَ النِّصْفِ الثانِي مِنْ لَيْلَةِ العِيدِ فَلا يَكُونُ جائِزًا مُجْزِئًا لَكَ عَنِ الرُّكْنِ إِلاَّ في وَقْتِه.
وأَمّا الرُّكْنُ السادِسُ مِنْ أَرْكانِ الحَجِّ فَهُوَ التَّرْتِيبُ في مُعْظَمِ الأَرْكانِ لِأَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الإِحْرامِ عَلَى الكُلِّ وتَأْخِيرِ الطَّوافِ والحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ عَنِ الوُقُوف.
ولِلْحَجِّ إِخْوَةَ الإِيمانِ واجِباتٌ مَنْ تَرَكَها أَثِمَ لَكِنْ لا يُفْسِدُ تَرْكُها حَجَّهُ بَلْ تَلْزَمُهُ فِدْيَةٌ عَلى تَفْصِيلٍ يَتَعَلَّمُهُ مُرِيدُ الحَجّ. وهَذِهِ الواجِباتُ هِيَ أَنْ يُحْرِمَ مُرِيدُ الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ مِنَ الْمِيقاتِ أَيْ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي عَيَّنَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِكُلِّ بَلَدٍ لِيُحْرَمَ مِنْهُ فَيَسْأَلُ مُرِيدُ الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ عَنْ مِيقاتِ بَلَدِهِ لِئَلاَّ يَتَجاوَزَهُ مِنْ غَيْرِ إِحْرام.
ومِنَ الواجِباتِ أَيْضًا الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ ولَوْ وَقْتًا قَصِيرًا وكَذا الْمَبِيتُ بِمِنًى مُعْظَمَ اللَّيْلِ، وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ إِنَّ الْمَبِيتَ فِيهِما لا يَجِبُ بَلْ هُوَ سُنَّة.
ومِمّا يَجِبُ عَلى الحاجِّ رَمْيُ جَمْرَةِ العَقَبَةِ بِسَبْعِ حَصَياتٍ ويَدْخُلُ وَقْتُها بِمُنْتَصَفِ لَيْلَةِ العِيدِ لا قَبْلَهُ فَإِنْ رَمَى قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ. ثُمَّ في كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلاثَةِ وهِيَ الحادِيَ عَشَرَ والثانِي عَشَرَ والثالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ يَجِبُ عَلى الحاجِّ رَمْيُ الجَمَراتِ الثَّلاثِ كُلِّ جَمْرَةٍ سَبْعَ حَصَياتٍ يَرْمِيها حَصاةً حَصاةً فَلَوْ رَمَى السَّبْعَةَ دُفْعَةً واحِدَةً لَمْ تُجْزِئْه.
وٱعْلَمْ أَخِي الحاجَّ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلى الْمُحْرِمِ أَشْياءُ حالَ إِحْرامِهِ مِنْها التَّطَيُّبُ كَأَنْ يَضَعَ الطِّيبَ عَلى بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ الَّذِي عَلَيْهِ، ومِنْها دَهْنُ الرَّأْسِ واللِّحْيَةِ بِنَحْوِ زَيْتٍ وكَذا إِزالَةُ ظُفْرٍ وشَعَرٍ، ويَحْرُمُ أَيْضًا القُبْلَةُ واللَّمْسُ والْمُعانَقَةُ بِشَهْوَةٍ ولَوْ لِزَوْجَتِهِ. كَما أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلى الرَّجُلِ لُبْسُ ما يُحِيطُ بِبَدَنِهِ بِنَحْوِ خِياطَةٍ كَقَمِيصٍ وسِرْوالٍ وأَمّا الْمَرْأَةُ فَيَجُوزُ لَها لُبْسُ ذَلِكَ لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْها سَتْرُ وَجْهِها بِما يَقَعُ عَلى وَجْهِها ولُبْسُ قُفّازٍ.
وٱنْتَبِهْ أَخِي الحاجَّ فَإِنَّ الجِماعَ حَرامٌ عَلى الْمُحْرِمِ حَتَّى يَتَحَلَّلَ مِنْ إِحْرامِهِ تَحَلُّلاً تامًّا بِأَنْ يَطُوفَ طَوافَ الفَرْضِ ويَرْمِيَ جَمْرَةَ العَقَبَةِ ويَحْلِقَ شَعَرَهُ أَوْ يُقَصِّرَهُ فَإِنْ جامَعَ قَبْلَ فِعْلِ اثْنَيْنِ مِنْ هَذِهِ الثَّلاثَةِ أَعْنِي طَوافَ الفَرْضِ ورَمْيَ جَمْرَةِ العَقَبَةِ والحَلْقَ أَوِ التَّقْصِيرَ فَقَدْ عَصَى رَبَّهُ وأَفْسَدَ حَجَّهُ ولَزِمَهُ أَنْ يَمْضِيَ في هَذا الحَجِّ الَّذِي أَفْسَدَهُ ثُمَّ يَقْضِيَ مِنَ السَّنَةِ القابِلَةِ وزِيادَةً عَلى ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُ بَدَنَةٍ وهِيَ أُنْثَى الجَمَلِ ويُطْعِمُ مِنْها فُقَراءَ الحَرَم.
ويَحْرُمُ عَلى الْمُحْرِمِ أَيْضًا صَيْدُ الْمَأْكُولِ البَرِّيِّ والوَحْشِيِّ. فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّماتِ فَعَلَيْهِ الإِثْمُ والفِدْيَةُ عَلى تَفْصِيلٍ يَذْكُرُهُ العُلَماءُ.
فَمَنِ اسْتَوْفَى الأَرْكانَ والواجِباتِ وٱجْتَنَبَ الجِماعَ وكَبائِرَ الذُّنُوبِ وكانَ مالُهُ الَّذِي أَنْفَقَهُ في الحَجِّ مالاً حَلالاً كانَ حَجُّهُ مَبْرُورًا داخِلاً في حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ علَيْه وسَلَّمَ مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ – أَيْ لَمْ يُجامِعْ –وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ اهـ
اَللَّهُمَّ ارْزُقْنا الحَجَّ والعُمْرَةَ وٱجْعَلْهُ مُكَفِّرًا لِذُنُوبِنا وٱرْزُقْنا زِيارَةَ الحَبِيبِ الْمُصْطَفَى وشَفاعَتَهُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.
هَذا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ.
الخطبة الثانية
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحمَدُهُ ونَستَعِينُهُ ونَستَهْدِيهِ ونَشْكُرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَن يَهْدِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَن يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ على سَيِّدِنا محمّدٍ الصادِقِ الوَعْدِ الأَمِينِ وعَلى إِخْوانِهِ النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِين. وَرَضِيَ اللهُ عَنْ أُمَّهاتِ الْمُؤْمِنينَ وَءالِ البَيْتِ الطَّاهِرينَ وَعَنِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ أَبي بَكْرٍ وعُمَرَ وَعُثْمانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبي حَنِيفَةَ ومالِكٍ والشافِعِيِّ وأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ والصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ فَٱتَّقُوهُ. وَٱعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلى نِبِيِّهِ الكريمِ فَقالَ ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾سورة الأحزاب/56. اَللَّهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا محمدٍ وعلى ءالِ سَيِّدِنا محمدٍ كَمَا صَلَّيْتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالِ سيدِنا محمدٍ كَمَا بارَكْتَ على سيدِنا إِبراهيمَ وعلى ءالِ سيدِنا إبراهيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اَللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْناكَ فَٱسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنَا فَٱغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنا ذُنوبَنَا وَإِسْرافَنا في أَمْرِنا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ الأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالأَمْواتِ رَبَّنا ءاتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النَّارِ اللَّهُمَّ تَوَفَّنا وأَنْتَ راضٍ عَنّا اللَّهُمَّ وأَلْهِمْنا عَمَلَ الخَيْرِ ووَفِّقْنا إِلَيْهِ وكَرِّهْ إِلَيْنا الشُّرُورَ وٱعْصِمْنا مِنْ مُقارَفَتِها اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُداةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْراتِنا وَءَامِنْ رَوْعاتِنا وَٱكْفِنا ما أَهَمَّنا وَقِنَا شَرَّ ما نَتَخَوَّفُ وٱرْزُقْنا حَجًّا مَبْرُورًا مُتَقَبَّلاً، عِبادَ اللهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسانِ وَإِيتَاءِ ذي القُرْبَى وَيَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اُذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَٱشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَٱسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَٱتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنَ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ