¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤ مدونة إسلامية للسيد* مصطفى عماد بن الشيخ الحسين * تالمست المغرب
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

2018/09/28

خطبة الجمعة وَسَائِلُ إِصْلَاحِ الْبُيُوتِ

Print Friendly and PDF



بسم الله الرحمان الرحيم
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ: أَنْ جَعَلَ لَهُمْ بُيُوتًا يَسْكُنُونَهَا، وَدُورًا يَسْتَرِيحُونَ فِيهَا، وَيَسْعَدُونَ بِهَا، يَسْتَدْفِئُونَ بِهَا مِنَ الْبَرْدِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِهَا مِنَ الْحَرِّ، وَتَطْمَئِنُّ فِيهَا نُفُوسُهُمْ، جَعَلَهَا لَهُمْ سَكَنًا وَرَحْمَةً، وَلِبَاسًا وَسِتْرًا، قَالَ تَعَالَى: )وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا([النحل:80]، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: (يَذْكُرُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - تَمَامَ نِعَمِهِ عَلَى عَبِيدِهِ، بِمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنَ الْبُيُوتِ، الَّتِي هِيَ سَكَنٌ لَهُمْ، يَأْوُونَ إِلَيْهَا وَيَسْتَتِرُونَ، وَيَنْتَفِعُونَ بِهَا سَائِرَ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ)؛ فَالْبَيْتُ هُوَ الْمَحْضِنُ الأَسَاسِيُّ الأَصِيلُ، وَالْحِصْنُ التَّرْبَوِيُّ القَوِيمُ، وَالمَدْرَسَةُ الأُولَى الَّتِي يَتَخَرَّجُ فِيهَا أَعْضَاءُ الْمُجْتَمَعِ الرَّشِيدِ، وَيَتَعَلَّمُ النَّاشِئَةُ فِيهِ العَقِيدَةَ وَالإِيمَانَ، وَيَتَلَقَّوْنَ الْقِيَمَ وَالآدَابَ، وَيَفْتَحُونَ فِيهِ أَعْيُنَهُمْ عَلَى الفَضَائِلِ وَالْمُثُلِ الْعُلْيَا، وَحَرِيٌّ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ العَظِيمَةِ - شُكْرًا لَهَا وَتَقْدِيرًا، وَعِرْفَانًا بِهَا وَتَعْظِيمًا - أَنْ يَعْتَنِيَ المُسْلِمُونَ بِهَا، وَأَنْ يَهْتَمُّوا بِإِعْمَارِهَا، وَأَنْ يَعْمَلُوا عَلَى تَرْشِيدِهَا وَإِصْلَاحِ فَسَادِهَا، وَتَقْوِيمِ اعْوِجَاجِهَا، وَالحِفَاظِ عَلَيْهَا؛ قِيَامًا بِالْمَسْؤُولِيَّةِ، وَأَدَاءً لِلْأَمَانَةِ، وَإِعْذَارًا إِلَى اللهِ وَشُكْرًا لَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعْمَةِ السَّكَنِ وَالسَّتْرِ، لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الوَقْتِ الَّذِي كَثُرَتْ فِيهِ الْمُخَاصَمَاتُ وَالْمَشَاكِلُ، وَتَعَاظَمَ فِيهِ الِانْفِصَامُ وَالِانْفِصَالُ، وَصَارَتْ ثَمَّةَ بُيُوتٌ مُفَكَّكَةٌ، مُتَآكِلَةٌ مُنْهَارَةٌ؛ مَا بَيْنَ عُنْفٍ عَائِلِيٍّ، وَمُشْكِلَاتٍ زَوْجِيَّةٍ، وَخُصُومَاتٍ وَقَضَايَا، وَأَجْيَالٍ وَنَاشِئَةٍ مُشَوَّهَةِ المَشَاعِرِ، مَبْتُورَةِ العَوَاطِفِ، شَاذَّةِ السُّلُوكِ، وَسَتَؤُولُ حَتْمًا لِتَـكُونَ لُقْمَةً سَائِغَةً لِبَرَاثِنِ التَّطَرُّفِ وَالإِرْهَابِ، وَمَخَالِبِ المُخَدِّرَاتِ وَالْفُجُورِ.
عِبَادَ اللهِ:
مِنْ هُنَا كَانَ لِإِصْلَاحِ الْبُيُوتِ فِي الإِسْلَامِ وَسَائِلُ مُتَعَدِّدَةٌ، وَطُرُقٌ مُتَبَايِنَةٌ، وَأَسَالِيبُ مُخْتَلِفَةٌ، تَؤُولُ إِلَى مَصْدَرٍ مَعْصُومٍ، وَمُسْتَمَدَّةٌ مِنْ مَعِينٍ وَاحِدٍ، هُوَ الْوَحْيُ المُبِينُ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللهِ، وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ« 
[رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالأَلْبَانِيُّ]؛ فَقَدْ جَعَلَ الإِسْلَامُ مِنَ الْبَيْتِ - لِأَهَمِّيَّتِهِ وَخُطُورَتِهِ - بِنَاءً قَوِيًّا مُتَمَاسِكَ الأَرْكَانِ، مُتَرَابِطَ الأَسَاسِ، وَاضِحَ المَنْهَجِ، مُحَدَّدَ المَعَالِمِ، مَعْرُوفَ القَوَاعِدِ وَالضَّوَابِطِ، أَصْلُهُ ثَابِتٌ وَفَرْعُهُ فِي السَّمَاءِ، مُؤَسَّسٌ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ، وَاتِّبَاعٍ لِشَرِيعَتِهِ الْغَرَّاءِ.
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
وَأَوَّلُ وَسَائِلِ إِصْلَاحِ البُيُوتِ: قِيَامُ مَنْهَجِيَّةِ البَيْتِ، وَتَأْسِيسُ مَجْرَيَاتِ الحَيَاةِ فِيهِ، عَلَى أَسَاسِ الإِيمَانِ الْعَمِيقِ، وَغَرْسِ العَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ، وَالتَّرْبِيَةِ عَلَى أُصُولِ الدِّينِ وَالإِحْسَانِ وَمُرَاقَبَةِ اللهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ؛ إِذِ الصِّحَّةُ أَوِ الفَسَادُ فِي سُلُوكِ الإِنْسَانِ مَنُوطَةٌ بِصِحَّةِ الْعَقِيدَةِ وَتَابِعَةٌ لَهَا؛ وَهِيَ الَّتِي تَنْبَعِثُ عَنْهَا الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، وَيَحْصُلُ مِنْهَا تَرْكُ الزَّوَاجِرِ وَامْتِثَالُ الأَوَامِرِ، خَاصَّةً فِي تَعَامُلِ أَبْنَاءِ المُسْلِمِينَ مَعَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، الَّتِي أَضْحَتِ المُرَاقَبَةُ الذَّاتِيَّةُ هِيَ الأَسَاسَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ تَسَبَّبَتْ فِي انْتِشَارِ عَقَائِدَ فَاسِدَةٍ، وَعِبَادَاتٍ مُبْتَدَعَةٍ، وَشِرْكِيَّاتٍ خَطِيرَةٍ عَلَى الفَرْدِ وَعَلَى المُجْتَمَعِ؛ مُحْدِثَةً خَلَلًا فِي التَّدَيُّنِ، وَرِقَّةً فِي الِالْتِزَامِ، وَانْحِدَارًا فِي التَّرْبِيَةِ، وَتَلَبُّسًا بِالْمُوبِقَاتِ وَالفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
وَقَدْ وَضُحَتْ أَهَمِّيَّةُ هَذِهِ الوَسِيلَةِ النَّاجِعَةِ فِي قَصَصِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَقَدْ حَرَصَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كُلَّ الحِرْصِ عَلَى تَرْبِيَةِ أَبْنَائِهِ عَلَى مَبْدَأِ التَّوْحِيدِ، وَ تَجَلَّى ذَلِكَ فِي دَعْوَتِهِ: )وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ([إبراهيم:35] كَمَا أَوْصَى يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْلَادَهُ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِ المَوْتِ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ الخَالِدَةِ الجَلِيلَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: )أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ  ([البقرة:133]، وَلُقْمَانُ فِي الْوَصِيَّةِ الجَلِيلَةِ يُحَذِّرُ ابْنَهُ مِنَ الشِّرْكِ وَيَصِفُهُ بِأَنَّهُ ظُلْمٌ عَظِيمٌ )وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ( [لقمان:13].
وَثَانِي هَذِهِ الوَسَائِلِ: إِحَاطَةُ البَيْتِ بِسِيَاجِ الطَّاعَةِ، وَوَحْيِ الِاسْتِقَامَةِ، وَاسْتِظْلَالُ أَفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ، وَالتَّنَادِي بِالتَّقْوَى، وَذِكْرِ اللهِ، وَتَعْظِيمِ الحُرُمَاتِ وَالشَّعَائِرِ، وَخَاصَّةً الصَّلَاةَ؛ قَالَ تَعَالَى: )وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا([طه:132]، وَقَالَ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّ اللهِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: )وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا([مريم:55]، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: »اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا « [رَوَاهُ البُخَارِيُّ]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ...« ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: )فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ([الروم:30]  [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ تَعَالَى لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ – عِبَادَ اللهِ – وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَمَنِ اتَّقَى اللهَ أَسْعَدَهُ وَأَنْجَاهُ فِي دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ؛ قَالَ تَعَالَى: )وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا( [الطلاق:2].
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
وَمِنْ وَسَائِلِ إِصْلَاحِ البُيُوتِ الهَامَّةِ وَالمُؤَثِّرَةِ: تَعْلِيمُ أَفْرَادِ البَيْتِ مِنْ زَوْجَةٍ وَأَوْلَادٍ مَا لَا يَسَعُهُمْ جَهْلُهُ مِنَ الأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ، وَأُصُولِ الآدَابِ وَالأَخْلَاقِ الَّتِي تَنْفَعُهُمْ وَيَتَعَامَلُونَ بِهَا فِي حَيَاتِهِمْ، لَا سِيَّمَا وَأَنَّ كَثِيرًا مِنَ المُسْلِمِينَ يَهْتَمُّونَ بِتَعْلِيمِ أَبْنَائِهِمُ اللُّغَاتِ الأَجْنَبِيَّةَ، وَيَحْرِصُونَ عَلَى إِكْسَابِهِمْ مَهَارَاتٍ حَيَاتِيَّةً، بَيْنَمَا هُمْ فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ يَتَجَاهَلُونَ تَعْلِيمَهُمُ الْعِلْمَ الشَّرْعِيَّ الوَاجِبَ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَتُهُ!!.
قَالَ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ(  [التحريم:6]، فَهَذِهِ الآيَةُ أَصْلٌ فِي تَعْلِيمِ أَهْلِ البَيْتِ وَتَرْبِيَتِهِمْ، وَأَمْرِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ وَالْعِفَّةِ وَالِاحْتِشَامِ، وَنَهْيِهِمْ عَنِ المُنْكَرِ وَالفُسُوقِ وَالعِصْيَانِ، قَالَ البُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - فِي صَحِيحِهِ: (بَابُ تَعْلِيمِ الرَّجُلِ أَمَتَهُ وَأَهْلَهُ)، ثُمَّ سَاقَ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ثَلَاثَةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ، وَذَكَرَ مِنْهُمْ»وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ«، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: (وَأَكْثَرُ الأَوْلَادِ إِنَّمَا جَاءَ فَسَادُهُمْ مِنْ قِبَلِ الآبَاءِ وَإِهْمَالِهِمْ لَهُمْ، وَتَرْكِ تَعْلِيمِهِمْ فَرَائِضَ الدِّينِ وَسُنَنَهُ، فَأَضَاعُوهُمْ صِغَارًا، فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِأَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يَنْفَعُوا آبَاءَهُمْ كِبَارًا).
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ الأَخْيَارُ:
وَمِنْ وَسَائِلِ إِصْلَاحِ البُيُوتِ: الْحِوَارُ وَالتَّوَاصُلُ وَالتَّفَاهُمُ بَيْنَ أَرْكَانِ البَيْتِ: الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالأَبْنَاءِ؛ فَالحِوَارُ الأُسَرِيُّ وَسِيلَةٌ بِنَائِيَّةٌ عِلَاجِيَّةٌ، يُسَاعِدُ فِي حَلِّ كَثِيرٍ مِنَ المُشْكِلَاتِ، وَيَسْتَخْرِجُ مَا فِي النُّفُوسِ مِنْ خَبَايَا وَإِشْكَالِيَّاتٍ، وَيُخَفِّفُ مِنْ مَشَاعِرِ الكَبْتِ، وَيُؤَدِّي إِلَى التَّكَاشُفِ وَالتَّصَارُحِ، وَيَتَحَقَّقُ بِهِ التَّوَاصُلُ بَيْنَ أَفْرَادِهَا، وَيُسَاعِدُ عَلَى إِشَاعَةِ رُوحِ الْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ بَيْنَهُمْ، وَيُسَاهِمُ فِي التَّقْرِيبِ بَيْنَ وِجْهَاتِ النَّظَرِ لَا سِيَّمَا بَعْدَ أَنْ أَفْرَزَتِ التَّحَوُّلَاتُ التِّكْنُولُوجِيَّةُ وَمَا يُعْرَفُ بِوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ تَفَاعُلَاتٍ جَدِيدَةً وَخَطِيرَةً لِلْعَلَاقَاتِ دَاخِلَ البَيْتِ المُسْلِمِ، وَأَدَّتْ إِلَى تَعْزِيزِ العُزْلَةِ وَالتَّنَافُرِ بَيْنَ أَفْرَادِهَا، وَتَقْلِيصِ قِيَمِ التَّوَاصُلِ الأُسَرِيِّ، وَفَقَدَ الأَبْنَاءُ التَّرَابُطَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَالْتَصَقُوا بِالْحِوَارِ مَعَ الْغُرَبَاءِ لِدَرَجَةِ الشُّعُورِ بِالغُرْبَةِ عَلَى مُسْتَوَى الأُسْرَةِ الوَاحِدَةِ، وَأَصْبَحَ لِكُلِّ فَرْدٍ فِي الأُسْرَةِ جَوُّهُ الخَاصُّ، وَبَدَأَ البَيْتُ يَتَحَوَّلُ شَيْئًا فَشَيْئًا إِلَى مُجَمَّعٍ سَكَنِيٍّ، أَوْ مَبْنًى فُنْدُقِيٍّ!!.
عِبَادَ اللهِ:
لَقَدْ كَانَ البَيْتُ النَّبَوِيُّ مِثَالًا عَلَى هَذَا التَّفَاهُمِ الْمَنْشُودِ، وَالحِوَارِ وَالتَّوَاصُلِ وَالصَّبْرِ، وَمِنْ ذَلِكَ: مَا حَدَثَ يَوْمَ أَنْ رَجَعَصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَارِ حِرَاءَ، فَدَخَلَ عَلَى زَوْجَتِهِ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَهُوَ يَرْجُفُ وَيَقُولُ: »زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي« فَقَالَتْ لَهُ: (كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ] وَهَكَذَا يُشَارِكُ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ وَيَتَوَاصَلُ مَعَهَا، فِي أَشَدِّ الْمَوَاقِفِ وَأَصْعَبِهَا؛ وَلِهَذَا بَقِيَتْ ذِكْرَى خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَالِقَةً فِي قَلْبِهِ الشَّرِيفِ، لَا تُفَارِقُهُ، كَأَنَّهَا أَصْبَحَتْ جُزْءًا مِنْهُ، لَا تَكَادُ تَنْفَصِلُ عَنْهُ، حَتَّى قَالَتْ لَهُ أُمُّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: (كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ].
وَمَا حَدَثَ مِنْ أُمِّ سَلْمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَيْفَ أَنَّ دَوْرَهَا كَانَ دَوْرًا فَاعِلًا وَمُؤَثِّرًا؛ حَيْثُ ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلْمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: (يَا نَبِيَّ اللهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟، اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ، وَنَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ].
فَاعْتَنُوا -عِبَادَ اللهِ- بِالْحِوَارِ وَالتَّوَاصُلِ مَعَ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ، وَاسْمَعُوا وَافْتَحُوا لَهُمْ قُلُوبَكُمْ، وَامْنَحُوهُمُ الوَقْتَ الكَافِيَ لِلتَّعْبِيرِ عَنْ مَا فِي أَنْفُسِهِمْ، وَقَدِّمُوا لَهُمُ النَّصِيحَةَ الَّتِي تُصْلِحُ دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ وَأَنْعِمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ وَصَحْبِهِ الأَبْرَارِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالأَئِمَّةِ المَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، )رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا([الفرقان:74] ، اللَّهُمَّ أَصْلِحِ الآبَاءَ وَالأُمَّهَاتِ، وَالأَبْنَاءَ وَالْبَنَاتِ، وَالأَزْوَاجَ وَالزَّوْجَاتِ، وَالشَّبَابَ وَالفَتَيَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلَامِ، وَاصْرِفْ عَنْهُمُ السُّوءَ وَالْفِتَنَ وَالْفَسَادَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالْـمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْـمُشْرِكِينَ وَانْصُرْ عِبَادَكَ الـمُوَحِّدِينَ، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ شَرٍّ وَسُوءٍ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ