¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤ مدونة إسلامية للسيد* مصطفى عماد بن الشيخ الحسين * تالمست المغرب
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

2018/09/14

تَخْطِيطُ الرَّسُول لِلْهِجْرَةِ

Print Friendly and PDF



الْحَمْدُ للهُ الَّذِي خَلَقَ الْوُجُودَ عَلَى نِظَامٍ دَقِيقٍ وَتَرْتِيبٍ حَكِيمٍ، وَهَيَّأَ الإِنْسَانَ لِعِمَارَةِ هَذِهِ الأَرْضِ بِالتَّخْطِيطِ وَالتَّدْبِيرِ السَّلِيمِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيـكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، عَلَّمَ أُمَّـتَهُ التَّخْطِيطَ لِلنَّجَاحِ، فَكَانَتْ هِجْرَتُهُ نَمُوذَجًا لأَهْـلِ الفَلاحِ،  وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ، وَدَعَا بِدَعْوَتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
   أَمَّا بَعْدُ، فِيَا عِبَادَ اللهِ:
   اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى حَقَّ تُقَاتِهِ، وَاعْـلَمُوا أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَنْشَأَ هَذَا الْكَوْنَ وَأَبْدَعَ صُنْعَهُ، وَجَعَلَ كُلَّ شَيْءٍ فِيهِ بِقَدَرٍ،  ﯴ  ﯵ   ﯶ    ﯷ  ﯸ  ﯹ   ﯺ     ﯻ  ﯼ     ﯽ  ﯾﯿ  ﰀ  ﰁ  ﰂ  ﰃ( )، فَلا مَجَالَ فِي هَذَا الْوُجُودِ لِلْعَشْوَائِيَّةِ وَالْفَوْضَى، بَلْ هُوَ الإِحْكَامُ فِي أَرْوَعِ صُوَرِهِ، وَالإِتْقَانُ فِي أَجْمَلِ تَجَلِّيَاتِهِ، مِمَّا يَجْعَلُنَا نُدْرِكُ أَنَّ التَّخْطِيطَ وَالنِّظَامَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْحَيَاةِ، فَلا تَسْـتَقِيمُ حَيَاةُ الإِنْسَانِ إِلاَّ بِهِ، وَلَنْ يَسْـتَطِيعَ الْوُصُولَ إِلَى مَا يَصْبُو إِلَيهِ؛ إِلاَّ عَلَى رُؤْيَةٍ وَاضِحَةٍ، وَتَخْطِيطٍ سَلِيمٍ، فِيَا تُرَى مَا هُوَ التَّخْطِيطُ؟ وَمَا أَهَمِّـيَّتُهُ فِي حَيَاةِ الإِنْسَانِ؟ إِنَّ التَّخْطِيطَ هُوَ الدِّرَاسَةُ الَّتِي تَسْبِقُ أَيَّ أَمْرٍ تُقْبِلُ عَلَيْهِ الْمُؤَسَّسَاتُ أَوِ الأَفْرَادُ أَوِ العَائِلاتُ؛ وَذَلِكَ بِوَضْعِ خُطَّةٍ وَاضِحَةِ الْمَعَالِمِ، تَجْعَلُ الأَهْدَافَ فِي بَرْنَامَجٍ عَمَلِيٍّ قَابِلٍ لِلتَّنْفِيذِ. وَتَكْمُنُ أَهَمِّـيَّةُ التَّخْطِيطِ فِي كَوْنِهِ يَحْمِي الْمُؤَسَّسَاتِ وَالأَفْرَادَ مِنَ الأَخْطَارِ الْمُسْـتَقْبَلِيَّةِ، وَيَضْمَنُ لَهُمُ الْمُسْـتَقْبَلَ الآمِنَ. وَلَقَدْ عَلَّمَنَا رَسُولُ اللهِ  فِي تَخْطِيطِهِ لِلْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ كَيْفَ نُخَطِّطُ التَّخْطِيطَ الدَّقِيقَ الْمُحْكَمَ؛ لِنَصِلَ إِلَى الأَهْدَافِ الَّتِي نَصْـبُو إِلَى تَحْـقِيقِهَا، وَالْغَايَاتِ الَّتِي نَتَوَخَّى الْوُصُولَ إِلَيْهَا. 
    أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: 
إِنَّكُمْ تُدْرِكُونَ كَيْفَ عَانَى الرَّسُولُ  وَأَصْحَابُهُ فِي الْعَهْدِ الْمَكِّيِّ مِنْ أَذَى قُرَيْشٍ وَاضْطِهَادِهَا، وَوُقُوفِهَا فِي وَجْهِ الدَّعْوَةِ الْجَدِيدَةِ، مِمَّا جَعَلَ النَّبِيَّ  يُخَطِّطُ لِلْخُرُوجِ بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ إِلَى مَكَانٍ يَضْمَنُ نُمُوَّهَا وَانْتِشَارَهَا، فَكَانَ  يَعْرِضُ دَعْوَتَهُ عَلَى الْقَبَائِلِ ذَاتِ الشَّوْكَةِ وَالْقُوَّةِ؛ لِتَقُومَ بِحِمَايَةِ الدَّعْوَةِ وَاحْـتِضَانِ أَهْـلِهَا، فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ  يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ فِي الْمَوْقِفِ، فَيَقُولُ: ((أَلا رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ؟ فَإِنَّ قُرَيْشًا مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلامَ رَبِّي))، وَبَعْدَ دِرَاسَةِ أَحْوَالِ الْقَبَائِلِ، رَأَى أَنَّ أَقْوَى الْقَبَائِلِ الْعَرَبِيَّةِ وَأَعَزَّهَا بَعْدَ قُرَيْشٍ، هِي قَبَائِلُ الطَّائِفِ، فَتَوَجَّهَ إِلَيْهَا مُحَاوِلاً بَثَّ دَعْوَةِ اللهِ فِيهَا؛ إِلاَّ أَنَّهَا تَصَامَّتْ عَنْ دَعْوَتِهِ، بَلْ أَغْرَتْ سُفَهَاءَهَا وَصِبْيَانَهَا بِهِ، وَلَمْ يَيْأَسْ  بَلْ ظَلَّ يَعْرِضُ الدَّعْوَةَ عَلَى الْقَبَائِلِ، مُعَلِّمًا الأُمَّةَ أَنَّهُ لا يَأْسَ مَعَ الْحَيَاةِ وَلا حَيَاةَ مَعَ الْيَأْسِ، بَلْ هُوَ التَّحَدِّي وَالإِصْرَارُ وَالْعَزِيمَةُ؛ لِلْوُصُولِ إِلَى النَّجَاحِ وَتَحْـقِيقِ الآمَالِ وَالطُّمُوحَاتِ، فَعَرَضَ لَهُ نَفَرٌ مِنَ الْخَزْرَجِ مَنْ أهْـلِ يَثْرِبَ فَدَعَاهُمْ، وَكَانَ هَؤُلاءِ يَسْمَعُونَ مِنَ الْيَهُودِ أَنَّهُ قَدْ أَظَلَّهُمْ زَمانُ نَبِيٍّ، فَلَمَّا سَمِعُوا مِنْهُ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: "لا يَسْـبِقْكُمْ إِلَيهِ يَهُودٌ"، وَفِي الْعَامِ الْقَابِلِ قَدِمَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً مَنْ أَهْـلِ يَثْرِبَ فَبَايَعُوا رَسُولَ اللهِ  بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ الأُوْلَى، فَفَتَحَتْ هَذِهِ الْبَيْعَةُ لِلنَّبِيِّ  آفَاقًا رَحْـبَةً لِنَشْرِ الدَّعْوَةِ فِي يَثْرِبَ، وَيَثْرِبُ الَّتِي سَمَّاهَا الرَّسُولُ  الْمَدِينَةَ فِيمَا بَعْدُ، تُعَدُّ فِي مُقَدِّمَةِ مُدُنِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ غِنًى بِمَائِهَا وَزَرْعِهَا وَثَرَوَاتِهَا التِّجَارِيَّةِ، وَمَنَعَةً بِحُصُونِهَا، وَسِيَادَةً بِأَهْـلِهَا مِنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، لِذَلِكَ كَانَتْ مُؤَهَّـلَةً لاحْـتِضَانِ الدَّعْوَةِ الْجَدِيدَةِ، فَاسْـتَغَلَّ  فُرْصَةَ دُخُولِ عَدَدٍ مِنْ أَهْـلِهَا فِي الإِسْلامِ وَاقْتِنَاعِهِمْ بِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ، لِيُعَلِّمَهُمُ الإِسْلامَ، وَيَتَعَرَّفَ طَبِيعَةَ أَهْـلِهَا، وَحَقِيقَةَ شُعُورِهِمْ تِجَاهَ الدَّعْوَةِ وَرَسُولِهَا، وَفِي غُضونِ عَامٍ وَاحِدٍ اسْـتَطَاعَ أَنْ يُوجِدَ فِي يَثْرِبَ قَاعِدَةً صُلْبَةً لِلدِّينِ الْجَدِيدِ، فَمَهَّدَ لِبَيْعَةِ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ، الَّتِي خَطَّطَ لَهَا تَخْطِيطًا دَقِيقًا، فَقَدْ تَحَرَّكَ الْوَفْدُ الْيَثْرِبِيُّ إِلَى مَكَّةَ بِسِرِّيَّةٍ تَامَّةٍ، وَلَمَّا وَصَلُوا إِلى مَكَّةَ، تَوَاعَدُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ  فِي أَوَاسِطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي مِنًى، يَقُولُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: (حَتَّى إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْـلِ خَرَجْـنَا لِمِيعَادِ رَسُولِ اللهِ  نَتَسَلَّلُ تَسَلُّلَ الْقَطَا)، وَكَانَتِ الْخُطْوَةُ التَّالِيَةُ مِنَ التَّخْطِيطِ الْمُحْكَمِ هِيَ تَأْمِينَ مَكَانِ الاجْـتِمَاعِ بِالْحِرَاسَةِ الْيَقِظَةِ، فَجَاءَهُمْ رَسُولُ اللهِ  وَمَعَهُ الْعَبَّاسُ، فَجَعَلَ الْعَبَّاسُ عَلِيًّا عَلَى فَمِ الشِّعْبِ عَيْنًا لَهُ، وَجَعَلَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى فَمِ الطَّرِيقِ الآخَرِ عَيْنًا لَهُ، حِفَاظًا عَلَى السِّرِّيَّةِ التَّامَّةِ، وَهَكَذَا فَقَدْ تَمَّ اللِّقَاءُ بَيْنَ الأَنْصَارِ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ بِنَجَاحٍ كَامِلٍ، وَبَايَعَ النَّبِيُّ  أَصْحَابَهُ مِنَ الأَنْصَارِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: ((إِنَّ مُوسَى أَخَذَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ اثْنَي عَشَرَ نَقِيبًا فَأَخْرِجُوا لِي مِنْكُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا))، وَهُنَا أَيْضًا تَبْرُزُ عَبْـقَرِيَّةُ التَّخْطِيطِ النَّبَوِيِّ فِي اخْتِيَارِ أُوْلَئِكَ النُّقَبَاءِ؛ إِذْ تَمَّ اخْتِيَارُهُمْ مِنَ الْمَنْظُورِ إِلَيْهِمْ فِي أَقْوَامِهِمْ؛ لِتَقْتَنِعَ تِلْكَ الْقَبَائِلُ بِهِمْ، وَلِيُحَافِظَ عَلَى التَّقْسِيمَاتِ الْقَبَلِيَّةِ لِلْبُطُونِ وَالأَفْخَاذِ فِي الْمَدِينَةِ، وَيُسَخِّرَهَا فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ لِخِدْمَةِ الدَّعْوَةِ الْجَدِيدَةِ، وَبِذَلِكَ تَمَّ إِعْدَادُ الأَنْصَارِ فِي الْمُجْـتَمَعِ الْمَدَنِيِّ لاسْـتِقْبَالِ الدَّعْوَةِ وَحِمَايَتِهَا، بِإِعْدَادٍ سابِقٍ وَتَخْطِيطٍ دَقِيقٍ مِنْهُ . فَعَلَينَا عِبَادَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ الْعِبْرَةَ، وَنَتَأَسَّى بِرَسُولِ اللهِ  بِالتَّخْطِيطِ الدَّقيقِ لِكُلِّ مَا نُرِيدُ أَنْ نَقُومَ بِهِ مِنْ أَعْمَالٍ؛ حَتَّى نَضْمَنَ الْوُصُولَ إِلَى عَظِيمِ الآمَالِ، وَنَحْـظَى بِتَحْـقِيقِ طَمُوحَاتِنَا وَأَهْـدَافِنَا.
أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،   وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
*** *** ***
الْحَمْدُ للهِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ،  وَعَلَى آلِهِ وَصَحْـبِهِ وَمَنْ وَالاهُ.
أَمَّا بَعْدُ، فِيَا عِبَادَ اللهِ:
بَعْدَ أَنْ أَذِنَ اللهُ لِرَسُولِهِ  بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، أَخَذَ فِي التَّخْطِيطِ الدَّقِيقِ لِذَلِكَ، فَجَعَلَ الْهَدَفَ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ الْخُرُوجَ الآمِنَ مِنْ مَكَّةَ وَالْوُصُولَ إِلَى الْمَدِينَةِ، دُونَ الاِصْطِدَامِ بِقُرَيْشٍ، فَمَا مَظَاهِرُ ذَلِكَ التَّخْطِيطِ الْمُتْقَنِ الَّذِي انْتَهَجَهُ الرَّسُولُ  لِلْهِجْرَةِ؟ يَتَجَلَّى ذَلِكَ التَّخْطِيطُ الدَّقِيقُ فِي الاسْـتِعْدَادِ الْمُبَكِّرِ لَهَا، فَقَبْـلَ شَهْرَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ، تَمَّ اخْتِيَارُ رَاحِلَتَيْنِ قَوِيَّتَيْنِ لَهُ وَلِصَاحِبِهِ فِي الْهِجْرَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، ثُمَّ اخْتِيَارُ خَبِيرٍ بِالطُّرُقِ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُرَيقِطٍ، وَذَلِكَ لِيَسِيرَ بِهِمَا فِي طَرِيقٍ غَيْرِ الطُّرُقِ الْمَعْهُودَةِ الَّتِي تُسْـلَكُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَكَانَ مِنْ خُطَّتِهِ  خُرُوجُهُ أَوَّلاً هُوَ وَصَاحِبِهِ إِلَى غَارِ ثَوْرٍ؛ فَيَمْـكُثانِ فِيهِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، حَتَّى يَهْدَأَ الْبَحْثُ عَنْهُمَا، وَغَارُ ثَوْرٍ فِي الْجَنُوبِ مِنْ مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةُ تَقَعُ شَمَالَهَا، كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ التَّخْطِيطُ جَلِيًّا فِي تَوْزِيعِ الأَدْوَارِ عَلَى فَرِيقِ عَمَلٍ، كُلٌّ عَلَى حَسَبِ طَاقَاتِهِ وَقُدُرَاتِهِ، فَتَمَّ اخْتِيَارُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ شَابٌّ حَاذِقٌ سَرِيعُ الْفَهْمِ، لِيَقُومَ بِدَوْرٍ مُهِمٍّ فِي مُرَاقَبَةِ تَحَرُّكَاتِ قُرَيْشٍ، وَالإِتْيَانِ بِأَخْبَارِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ  وَصَاحِبِهِ فِي الْغَارِ، وَذَلِكَ لأَهَمِّـيَّةِ الْحُصُولِ عَلَى الْمَعْلُومَاتِ الصَّحِيحَةِ؛ لِيَكُونَ رَسْمُ الْخُطَطِ عَلَى رُؤْيَةٍ وَاضِحَةٍ، وَتَكُونَ التَّنَبُّؤَاتُ الْمُسْـتَقْبَلِيَّةُ مَبْنِيَّةً عَلَى مُعْطَيَاتٍ وَاقِعِيَّةٍ، وَقَدْ أُوْكِلَ إِلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنْ تَأْتِيَهُمَا لَيْلاً بِالطَّعَامِ إِلَى الْغَارِ، وَلِكَونِهَا امْرَأَةً فَإِنَّهَا لَنْ تَلْفِتَ إِلَيهَا الأَنْظَارَ، ثُمَّ أَوْكَلا إِلَى عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ وَرَاعِي غَنَمِهِ، مُهِمَّةَ إِخْفَاءِ آثَارِ الأَقْدَامِ، فَيَرْعَى الأَغْنَامَ نَهَارًا ثُمَّ يَأْتِيهِمَا بِهَا مَسَاءً، فَيَمْسَحُ آثَارَ الْمُتَرَدِّدِينَ عَلَى الْغَارِ، وَيَسْـقِيهِمَا مِنْ حَلِيبِ الأَغْنَامِ، فَمَا أَحْكَمَ ذَلِكَ التَّدْبِيرَ وَمَا أَتْقَنَ ذَلِكَ التَّخْطِيطَ!!، الَّذِي آتَى ثِمَارَهُ بِتَوْفِيقِ اللهِ تَعَالَى:  ﮐ  ﮑ   ﮒ  ﮓ   ﮔ  ﮕ   ﮖ     ﮗ  ﮘ     ﮙﮚ  ﮛ  ﮜ   ﮝﮞ  ﮟ  ﮠ  ﮡ( )،  فَلَمْ يَتَّكِلْ  عَلَى مُجَرَّدِ حِفْظِ اللهِ لَهُ وَعِنَايَتِهِ بِهِ، بَلْ أَخَذَ بِجَمِيعِ الأَسْبَابِ الْمُمْكِنَةِ، وَخَطَّطَ لِلْخُرُوجِ الآمِنِ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْذُلَهُ الْبَشَرُ فِي ذَلِكَ، مُعَلِّمًا الأُمَّةَ التَّخْطِيطَ وَأَخْذَ الْحِيطَةِ وَالْحَذَرِ، مَعَ تَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِاللهِ تَعَالَى، إِذْ مِنْهُ يُسْـتَمَدُّ التَّوْفِيقُ وَالنَّجَاحُ، وَبِالْقُرْبِ مِنْهُ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ وَتَسْـتَقِرُّ الأَرْوَاحُ:   ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ   ﮬ  ﮭ  ﮮ  ﮯ  ﮰ  ﮱ  ﯓ  ﯔ  ﯕ      ﯖ  ﯗ   ﯘ  ﯙ  ﯚ  ﯛ  ﯜﯝ  ﯞ   ﯟ  ﯠ  ﯡ  ﯢ  ﯣ  ﯤ  ﯥ   ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ  ﯪﯫ   ﯬ  ﯭ  ﯮ  ﯯﯰ  ﯱ  ﯲ   ﯳ  ( ).
   هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا: ﭲ ﭳ ﭴ  ﭵ   ﭶ  ﭷﭸ  ﭹ  ﭺ   ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ  ﭿ( ).
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ. 
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ بِكَ نَستَجِيرُ، وَبِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ أَلاَّ تَكِلَنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ يَا مُصْلِحَ شَأْنِ الصَّالِحِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِ نِعْمَتَكَ، وَأَيِّدْهُ بِنُورِ حِكْمَتِكَ، وَسَدِّدْهُ بِتَوْفِيقِكَ، وَاحْفَظْهُ بِعَيْنِ رِعَايَتِكَ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي ثِمَارِنَا وَزُرُوعِنَا وكُلِّ أَرْزَاقِنَا يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ.رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ،المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ: ﭻ  ﭼ  ﭽ  ﭾ   ﭿ  ﮀ  ﮁ  ﮂ  ﮃ  ﮄ  ﮅ   ﮆ  ﮇﮈ  ﮉ  ﮊ  ﮋ .