¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤ مدونة إسلامية للسيد* مصطفى عماد بن الشيخ الحسين * تالمست المغرب
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

2018/12/30

أثر القرآن على القلوب

Print Friendly and PDF
الخطبة الأولى
ان الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"
أما بعد: أيها الصائمون ،لقد أنزل الله سبحانه وتعالى كتابه أحسن الحديث تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله، أنزله سبحانه وتعالى ليكون مؤثراً في قلوب المؤمنين، فإذا استمعوا له تخبت له قلوبهم، وإذا قُرأت عليهم آياته خروا سجداً وبكياً، ولما نزل هذا القرآن كان له الأثر الكبير حتى في نفوس المشركين، فقد جعل بعضهم يستمع إليه خلسة، ويعترف بأنه يعلو ولا يعلى، وكذلك سمعته الجن فعلموا أنه عجب فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ، فكيف بنفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأه ويدارس جبريل في رمضان كل ليلة هذا القرآن، ويحب أن يسمعه من غيره كما أمر ابن مسعود رضي الله عنه أن يقرأ عليه، فقال: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: (إني أحب أن أسمعه من غيري)، وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلوبهم أوعية العلم، تختزن القرآن،( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)، لو أنزل الله القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، فكيف سيكون تأثيره في قلوب المؤمنين التي هي أعظم تأثراً من الحجارة والجمادات بلا ريب.
أيها الصائمون ، ومن هنا كان تأثير القرآن في قلوب الأسلاف عظيماً، فكانوا يقفون عند حدوده، يحركون به القلوب، يؤمنون بمتشابهه، ويعملون بمحكمه، عندما سمع جبير بن مطعم قبل أن يسلم قول الله عز وجل:( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ) كاد قلبه أن يطير، وهكذا لما استمع الصحابة رضوان الله عليهم لقول الله: (اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ )، كانت هذه المخاطبات بالأوامر والنواهي تعني أشياء كثيرة، وكان الصحابة إذا سمعوا هذا القرآن فإنهم يعملون به، الصديق رضي الله عنه لأجل آية في كتاب الله أعاد النفقة إلى مسطح وهو قريبه، مع أنه كان قد آذى ابنته عائشة رضي الله عنها ولكنه لقول الله: وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، لما سمع قول الله عز وجل في هذا وهو يقول: ألا تحبون أن يغفر الله لكم، قال: بلى أحب أن تغفر لي يا رب، وأعاد النفقة إلى مسطح،وهكذا يا عباد الله كان موقف عمر في قوله عز وجل: إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِن دَافِعٍ، وهو يسمع الآيات التي تذكر أهوال القيامة يمرض، ويعوده الناس، لا يدرون ما به، والذي به تأثير القرآن.
وكذلك الصحابة لما نزل عليهم أمر الله تعالى بالامتناع عن الخمر والنهي عنها ( فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) امتثلوا مباشرة وسالت شوارع المدينة وطرقاتها بالخمر الذي سكب في أفواهها،
كان السلف إذا مر الواحد منهم بآية السجدة خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا، يعاتب نفسه إذا لم يبك ويقول: هذا السجود فأين البكاء.
ألا فليتَ شِعرِي! علام تقسُو القلوبُ أمامَ كتابِ الله؟! علامَ يقرؤُ القرآنَ أقوامٌ فلا يُجاوِزُ تراقِيَهم، وعلامَ يكثُرُ ضحِكُهم ويقِلُّ بُكاؤُهم؟! ألا يقرؤوا قولَ الله: أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ [النجم: 59- 61].
لقد قرأَ جعفرُ بن أبي طالبٍ - رضي الله عنه - القرآنَ من سُورة مريم أمام النجاشيِّ وقد كان نصرانيًّا -، فما كان من النجاشيِّ ومن معَه إلا أن فاضَت أعينُهم، فأنزلَ الله قولَه: وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ
إنه شهرُ القرآن وشهرُ التراويحِ التي تسمُو بقلبِ المُهتَدِي ...
إنه لعجَبٌ عُجابٌ أن ترى من لا تُرهِبُه آياتُ الوَعيد والترهيب، ومن لا تحُضُّه آياتُ الوعدِ والترغيبِ .. عجَبًا لمن يسمعُ آياتِ الله تُتلَى فلا يخشَعُ ولا يُنيبُ
إن القلوبَ إذا غفَلَت قسَت، وإذا قسَت خلَت من دواعِي التدبُّر والخُشوع والإخبات، ولقد صدقَ الله إذ يقول: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: 24].
أعاذَنا الله وإياكم من القسوَة والغفلَة.

بارَك اللهُ لي ولكُم في الكِتابِ والسّنّة، ونَفَعنا بمَا فيهمَا مِنَ الآياتِ والحِكمَة، أقول قولِي هذا، وأستَغفِر الله تعالى لي ولكم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما.
أما بعد: عباد الله، هذا القرآن الذي بين أيدِينا هو القرآن الذي قرأَه الأولون، لم يزَل غضًّا طريًّا، ولكن ليست القلوبُ هي القلوب، أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: 24].
وقد جعلَ الله لهذه الأقفال مفاتِح؛ فأولُ هذه المفاتِح: معرفةُ المُتكلِّم بهذا القرآن، وهو الله - جَّل جلاله -، ربُّكم وربُّ آبائِكم الأولين، وربُّ العالمين المُحيِي المُميت، الرزَّاقُ ذو القوَّة المتين، وشرفُ الكلام من شرفِ المُتكلِّم به. وكلُّ كلامٍ وإن عظُم وجلَّ فهو دون كلامِ الله تعالى، ناهِيكم عمَّن يشتغِلُ عن كلامِ الله بكلام الباطِل واللهو.
قال عُثمانُ - رضي الله عنه -: "لو طهُرَت قلوبُكم ما شبِعَت من كلامِ ربِّكم
وثاني مفاتِح الأقفال: معرفةُ بركاتِ القرآن العظيم، كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ، بركاتُ القرآن على النفوسِ والأُسر والمُجتمعات، بركاتٌ عامَّةٌ في الدنيا والآخرة، «من قرأَ حرفًا من كتابِ الله فله حسنة، والحسنةُ بعشر أمثالِها»؛ رواه الترمذي.
وثالثُ مفاتِح الأقفال: الدعاءُ؛ روى الإمام أحمد وغيرُه، عن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه -، أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما أصابَ أحدًا قطُّ همٌّ ولا حزَنَ فقال: اللهم إني عبدُك، ابنُ عبدِك، ابنُ أمَتِك، ناصِيَتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حُكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سمَّيتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآنَ العظيمَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدرِي، وجلاءَ حُزني، وذَهابَ همِّي؛ إلا أذهبَ الله همَّه وحُزنَه، وأبدلَه مكانَه فرَحًا»، وفي بعضِ الروايات:«فرَجًا».
فقيل: يا رسولَ الله! ألا نتعلَّمُها؟ قال: «بلى، ينبغي لمن سمِعَها أن يتعلَّمَها.

عباد الله إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا، اللهم صلى وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ، اللهم وفق ولي مرنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى ،اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ فرُدَّ كيدَه في نحره، واجعل تدبيرَه دمارًا عليه، اللهم انصُر جنودَنا المُرابِطين على ثُغورِنا، وكلَّ رِجال أمنِنا، اللهم احفَظهم بما يحفَظون من بلادِك المُقدَّسة وعبادِك المُؤمنين، اللهم ثبِّتهم وأعِنهم، وبارِك أعمالَهم وأعمارَهم، وأهلَهم وأموالَهم، وتولَّ ثوابَهم وتقبَّل منهم يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك أن تحيي قلوبنا بذكرك يا رب العالمين، اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم اجعلنا من أهل القرآن، اجعلنا ممن يحل حلاله ويحرم حرامه، ويؤمن بمحكمه ومتشابهه، اللهم إنا نسألك أن تغفر ذنوبنا كلها دقها وجلها سرها وعلانيتها،لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عيباً إلا سترته، يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين أنزل رحمتك وبركاتك علينا، اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا
اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع عنهم البلاء واكشف عنهم اللأواء يا سميع الدعاء كن معهم ولا تكن عليهم، وانصرهم ولا تنصر عليهم، وأعنهم ولا تعن عليهم، اللهم إن في المسلمين من الشدة والبلاء ما لا يعلمه إلا أنت، وإنا نسألك لإخواننا المستضعفين في ساعتنا هذه النصر والتمكين إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير
..سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا لكم