¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤ مدونة إسلامية للسيد* مصطفى عماد بن الشيخ الحسين * تالمست المغرب
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

2019/02/21

خطـبــة جمـعـــة .(معرفة.الشيطان.)

Print Friendly and PDF



*الخطبـــة.الاولـــى.*
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا
وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه
كم نطلب الله في ضُرٍ يحل بنا
فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه
في البحــر أن ينــجي سفينتنا
فإن رجعنا إلى الشاطئ عصيناه
ونركب الجو في أمنٍ وفي دعةٍ
وما سقـــطنا لأن الحافـــظ الله
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها المسلمون!
اتقوا الله تعالى لتكونوا من أولياء الله الذين يقول الله فيهم: ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) [يونس:62].
عباد الله: اعلموا أن لكل شيء بداية، ولكل بداية نهاية، والحياة سباق ولكل سباق غاية، ألا وإنكم في دار ابتلاء واختبار، وإن الغاية الجنة أو النار، فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير.
وقد جعل الله للجنة طريقاً واحداً هو طريق الإسلام والإيمان والقرآن، قال تعالى: ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ).
وجعل الله للجنة أهلاً يعملون الصالحات، ويفعلون الخيرات ويتنافسون في إرضاء رب الأرض والسماوات، جعلهم الله مفاتيح للخير مغاليق للشر.
وكما أن للجنة أهلاً فإن لها دعاة يدعون إليها، وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأتباعهم، وهم أحسن الناس وأفضل الناس وأرفع الناس مدحهم الله بقوله تعالى: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) [فصلت:33]
وهم الذين أنعم الله عليهم وأحلهم أفضل الدرجات، ووفقهم لاستباق الخيرات، قال الله تعالى: ( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مّنَ النَّبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ( ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ) [النساء:70].
حسُنت أخلاقهم، وصلُحت أعمالهم وطهرت سريرتهم، وأرضوا ربهم فسعدوا في الدنيا والأخرى وفازوا بجنة عرضها السماوات والأرض اللهم اجعلنا منهم يارب العالمين.
وكما أن للجنة أهلاً فإن الله جعل للنار أهلاً، وبعمل أهل النار يعملون، يعملون المنكرات ويفعلون الفواحش والموبقات، يتنافسون في لإرضاء الهوى والشيطان هم مفاتيح للشر مغاليق للخير.
ساءت أخلاقهم وفسدت أعمالهم واسخطوا خالقهم فخسروا الدنيا والأخرى وكان مصيرهم النار وبئس القرار، قال الله تعالى: ( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ) [الجن:23].
عبـــاد الله:
كما أنَّ للجنة دعاة يدعون الناس إليها فكذلك للنار دعاة يدعون الناس إليها، قال تعالى: ( أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ) [البقرة:221].
وقال تعالى: ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لاَ يُنصَرُونَ ( وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ) [القصص:42].
دعاة جهنم يزينون المعصية للناس، ويدعون إلى الإثم، يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين أمنوا، كبيرهم وزعيمهم ورئيسهم وأشد الخلق دعوة إلى جهنم، وأعظم الخلق عداوة لله تعالى، وشر النفوس وأخبثها ؛ إبليس لعنه الله، وأعاذنا والمسلمين منه ومن ذريته.
إبليس الذي خرج عن طاعة الله واستكبر.
إبليس الذي أظهر عداوته لأبينا آدم فرفض السجود له كبراً وغرورا.
إبليس الذي توعّد آدمَ وذريته بالإغواء والتضليل ما دامت أرواحهم في أجسادهم. قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين.
إذا فهذه الحياة في حقيقتها معركةً وحرباً ضارية بين الإنسان وبين الشيطان، لا تنتهي هذه الحرب إلا بموت الإنسان، فما دام في الإنسان عرق ينبض فهو هدف للشيطان وغاراته وقانا الله منها، سئل الحسن البصري هل ينام الشيطان؟ فقال:«لو نام لاسترحنا منه».
حتى عند الموت يستمر الشيطان في الوسوسة والنزغ فمن الناس من يجور في الوصية عند الموت، ومن الناس من يغفل عن قول كلمة التوحيد.
ها هو أحمد بن حنبل أمير المؤمنين في الحديث صاحب المسند ثلاثين ألف حديث روي أنه في مرض موته كان يُلَّقن كلمة التوحيد وهو يقول لا لا لا ،ومرة ثانية وثالثة وهو يقول لا لا ليس بعد، فخاف الناس أن تكون خاتمة سيئة ،فقام من غيبوبته، فسئل عن ذلك فقال جاءني الشيطان على صورة أبي فقال يا أحمد مت قبلك ووجدت أن خير دين هو اليهودية فمت على اليهودية فقلت لا لا لا.
ثم جاءني على صورة أمي وقال لي :يا أحمد كنت خير أم لك وقد مت قبلك ووجدت أن خير دين هو النصرانية فمت على النصرانية فقلت لا لا.ثم قال لي الشيطان يا أحمد ما استطعت لك يريد مني العجب والغرور فقلت ليس بعد ليس بعد
وبعدها نطق كلمة التوحيد
ومات عليها رحمه الله.
ولخطر هذا العدو وشره قد عرَّفنا الله به، وحذرنا من وساوسه وكيده، وأمرنا أن نتخذه عدوًا، فقال سبحانه: ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) [فاطر:6].
راحت إبليس وسعادته أن يجمع أكبر قدر من الخلق معه في السعير، قال تعالى: ( إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) [فاطر:6].
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشيطان قعد لابن آدم في طريق الإيمان فقال له: أتؤمن، وتذر دينك ودين آبائك؟ فخالفه فآمن، ثم قعد له على طريق الهجرة، فقال له: أتهاجر وتترك مالك وأهلك؟ فخالفه فهاجر، ثم قعد له على طريق الجهاد، فقال له: أتجاهد فتقتل نفسك، فتُنكَح نساؤك، ويُقسَّم مالك؟ فخالفه، فجاهد فقتِل، فحقٌ على الله أن يدخله الجنة».
فهذا تحذير من الله سبحانه حتى لا نستهين بهذه العداوة وهذا العدو، ونهانا الله عن عبادة وطاعة الشيطان قال سبحانه: ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ( وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) [يس:61].
عبـــاد اللـــه:
إن هذه الدنيا صراع بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، يقف في معسكر الحق الأنبياء والصديقون والصالحون والمؤمنون، ( أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [المجادلة:22]، وفي معسكر الباطل يقف الشياطين والسحرة والفجار والظالمون، ( أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) [المجادلة:22].
وتبدأ معركة الشيطان مع ابن آدم من حين ولادته ،عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه»، ثم قال أبو هريرة رضي الله عنه: اقرءوا إن شئتم ( وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) [آل عمران:36] [مسلم ح2366، البخاري ح4548]
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «صياح المولود حين يقع نزغة من الشيطان» [مسلم 2367].
وقد شرع لنا نبينا من الذكر ما نقي به أولادنا من الشيطان وذلك قبل وجودهم، فعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد لم يضره» [البخاري ح7391، مسلم ح1434].
وينبغي على كل مسلم أن يعلم أنّ كل إنسان له قرينه من الشيطان، فقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنهما قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من عندي ليلاً، فغِرْتُ عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: «ما لك يا عائشة؟» قلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟! فقال: «أقد جاءك شيطانك؟!» قلت: يا رسول الله، أَوَمعي شيطان؟! قال: «نعم»، قلت: ومع كل إنسان؟! قال: «نعم»، قلت: ومعك يا رسول الله؟! قال صلى الله عليه وسلم : «نعم، ولكنّ ربي أعانني عليه حتى أسلَمَ»، وفي صحيح مسلم وأحمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينُهُ من الجن وقرينُهُ من الملائكة» .
والشيطان يستطيع أن يصل إلى فكر الإنسان وقلبه بطريقة لا ندركها ولا نعرفها، ويساعده على ذلك طبيعته التي خُلِق عليها، قال تعالى: ( يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ )[الأعراف:27]
وقد ثبت في صحيح البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم»، فهذه هي الوسوسة إذ سماه الله تعالى بالوسواس الخنّاس الذي يوسوس في صدور الناس، قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ( الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ) [الناس:4]أي: أن الشيطان جاثِم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذَكَر الله خَنَس».
عـــباد اللـــه:
إن الشيطان، يستغِلّ ضعف الإنسان، فإنّ للإنسان نقاط ضعف كثيرة، وهي في الحقيقة أمراض تقع في قلبه، فتصبح مدخلاً من مداخل الشيطان، ومن هذه الأمراض: الغضب والشهوة والكِبْر والعُجْب والغرور والحسد والعَجَلة والجهل والغفلة والكذب والظلم والطغيان والحزن والفرح وحبّ المال والافتتان بالدنيا والنساء وغيرها، وكلّ هذه منافذ يدخل منها الشيطان للوسوسة.
قد يسأل سائل ما هي أهداف الشيطان ؟ما يريد منا ؟
إن للشيطان - عباد الله: -
هدفان: هدفٌ بعيد وهدفٌ قريب، أما الهدف البعيد فهو إدخال العباد إلى النار معه، وقد توعَّدَ بذلك، وأما الهدف القريب فهو إيقاع العباد في الشرك والكفر، وإيقاعهم في الذنوب والمعاصي.
الشيطان لا يريد لنا الخير والأجر أبداً يحاول إبعادنا عن الله وإشغالنا عن الطاعات.
فهناك شيطان الوضوء الولهان وشيطان الصلاة خنزب.
كيف يحقق الشيطان أهدافه ؟كيف يستطيع أن يجعل المسلم يترك الصلاة بعد رمضان؟
كيف يستطيع أن يجعل المسلم يأخذ المال الحرام وقد رزقه الله من حلال؟
كيف يستطيع أن يجعل المسلم يلهث وراء شهوة الحرام من النساء وقد رزقه الله الحلال وكيف وكيف تساؤلات كثيرة؟
إن للشيطان - عباد الله: -
مكائد ومصايد يصطاد بها الإنسان، كما أن له أساليب عديدة لإضلاله، فالشيطان أولاً:لا يأتي إلى الإنسان ويقول له: اترك هذه الأمور الخيّرة، ولا يأتي إلى الإنسان ويقول له: اترك الصلاة أو اكفر بالله، فلو فعل ذلك فلن يطيعه أحد، ولكن يأتيه بأساليب ذكية ومختلفة، ويتدرّج معه بخطوات متعاقبة ومتتالية، ولو تطلّب ذلك وقتًا طويلاً وزمانًا بعيدًا.
وفي هذا الباب أحببنا أن نذكر قصة وقعت في بني إسرائيل، وذكرها وهب بن مُنبِّه أحد التابعين، وذلك على سبيل الاعتبار والحذر من أساليب الشيطان في إضلاله للإنسان:
إن عابدًا كان في بني إسرائيل، وكان من أعبد أهل زمانه، وكان في زمانه ثلاثةُ إخوة لهم أخت، وكانت بِكْرًا ليس لهم أخت غيرها، فخرج البعث في غزوة من الغزوات على ثلاثتهم، فلم يدروا عند من يُخَلّفون أختهم، فأجمع رأيهم على أن يُخَلّفوها ويتركوها أمانة عند هذا العابد من بني إسرائيل، وكان ثقة في أنفسهم، فأتوه وسألوه أن يُخَلّفوها عنده غاية رجوعهم من الغزو، فأبى ذلك عليهم، وتعوّذ بالله منهم ومن أختهم، فلم يزالوا به حتى أطاعهم، فقال: أنزلوها في بيت تحت صَوْمعتي، بعيدًا عنها، فأنزلوها في ذلك البيت، ثم انطلقوا وتركوها، فمكثت في جوار ذلك العابد زمانًا ينزل إليها بالطعام من صومعته فيضعه عند باب الصومعة، ثم يغلق بابه ويصعد إلى الصومعة، ثم يأمرها فتخرج من بيتها، فتأخذ ما وضع لها من الطعام، فلبث على هذه الحالة زمانًا، ثم جاءه إبليس فرغّبه في الأجر وحضّه عليه، وقال له: لو تمشي إليها بطعامها حتى تضعه في بيتها كان أعظم لأجرك، فلم يزل به حتى فعل ذلك، فلبث على ذلك زمانًا، ثم جاءه إبليس فرغّبه في الأجر وحضّه عليه، فقال: لو كنت تكلّمها وتحدّثها فتأنس بحديثك، فهي مسكينة وحيدة، وقد استوحشت وحشة شديدة، فلم يزل به حتى حدّثها زمانًا، ثم أتاه إبليس فقال: لو كنت تنزل إليها فتقعد على باب صومعتك وتحدّثها وتقعد هي على باب بيتها وتحدّثك لكان أأنس لها، فلبث زمانًا على ذلك، ثم جاءه إبليس فقال: لو دخلت وحدّثتها بداخل البيت لكان أسلم لكما والسترة لها أفضل، فلم يزل به حتى دخل البيت فجعل يحدّثها ويأكلان الطعام معًا، فلم يزل إبليس يزيّنها له ويحسّنها في عينيه حتى لمسها ووقع بعد ذلك ما لا يحمد عُقْباه، فحملت الجارية منه، ووضعت له غلامًا، فجاءه إبليس بعد ذلك فقال له: أرأيت إن جاء إخوة الجارية وقد ولدت منك كيف تصنع؟ لا آمن عليك أن تفتضح أو يفضحوك، فقال له إبليس: الحل هو أن تعمد إلى ابنها فتقتله وتدفنه، فإنها ستكتم ذلك عليك مخافة إخوتها أن يطلعوا على ما صنعت بها، ففعل العابد ذلك، ثم بعد ذلك جاءه إبليس فقال له: أتظن أن الجارية ستكتم إخوتها ما صنعت بها أو أنها ستصبر على أنك قتلت ابنها؟! فالحل الوحيد لك هو أن تقتلها وتدفنها مع ابنها، فلم يزل به حتى قتلها وألقاها في الحفرة مع ابنها، وأطبق عليهما صخرة عظيمة.
وبعد فترة أقبل إخوتها من الغزو، فجاؤوا وسألوه عن أختهم، فعزّاهم في أختهم، وأخبرهم أنها ماتت بعد مرض شديد، وترحّم عليها وبكى عليها، وقال: كانت خير امرأة، وهذا قبرها، فانظروا إليه. فأتى إخوتها القبر، فبكوا أختهم، وترحموا عليها، فأقاموا على قبرها أيامًا، ثم انصرفوا إلى أهاليهم، فلما جَنّ عليهم الليل وأخذوا مضاجعهم جاءهم الشيطان في النوم على صورة رجل مسافر، فسألهم عن أختهم فأخبروه بقول العابد، فأكذبهم الشيطان، وأخبرهم أن العابد لم يصدقهم في أمر أختهم، وأنه قد أَحْبَلَ أختكم وولدت له غلامًا فقتلهما معًا خوفًا منكم، وألقاهما في حفرة خلف باب البيت، فاستيقظ الإخوة الثلاث على منام واحد متواطئ، فتعجّبوا من ذلك .
فقال كبيرهم: هذا حلم ليس بشيء، فقال أصغرهم: والله لا أمضي حتى آتي إلى ذلك المكان فأنظر فيه، فانطلقوا جميعًا حتى أتوا البيت الذي كانت فيه أختهم، فبحثوا الموضع كما وصف لهم في المنام، فوجدوا أختهم وابنها مقتولين في الحفرة.
فأمسكوا بالعابد وسألوه، فصدق قول إبليس فيما صنع بهما، فقدّموه ليُصلَب، فلما أوثقوه على خشبة أتاه الشيطان فقال له: لقد علمت أني أنا صاحبك الذي فتنتك بالمرأة حتى أَحْبَلتها وقتلتها وابنها، فإن أنت أطعتني اليوم وكفرت بالله الذي خلقك وصوّرك خلّصتك مما أنت فيه من محنة، فكفر العابد، فلما كفر بالله تعالى، خلّى الشيطان بينه وبين أصحابه فصلبوه وقتلوه ومات على الكفر.
فهذه القصة ـ عباد الله ـ ذكرها ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس، وهي قصة يرويها المفسرون عند قوله تعالى: ( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ) [الحشر:16].
عباد الله: بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.
الخطبــة.الثانيـــة.tt
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
عبـــاد اللـــه:
إن الله حذّرنا من إتباع خطوات الشيطان التي تفضي بنا في النهاية إلى الشرك والكفر، يقول سبحانه: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) [البقرة:208] ، فهذا تحذير من إتباع خطوات الشيطان التي تبدأ باليسير الذي لا يشعر الإنسان به، وتنتهي بفعل الإنسان العظيم من الأمور والخطير من المعاصي والآثام.
عباد الله : إن أسوأ ما يصنعه القرين من الشيطان أن يصدَّ قرينه عن سبيل الحق، ثم لا يدعه يفيق ولا يستبين، بل يوهمه أنّه سائر على الطريق المستقيم حتى يفاجأ بالمصير الأليم، قال تعالى: ( إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأعراف:30].
ومن أساليبه الخبيثة ثانياً :أنه يأتي ويُظهِرُ النُصحَ للإنسان، فالشيطان يدعو المرءَ إلى المعصية، يزعم أنه ينصح له، ويريد له الخير، وقد أقسم لأبينا آدم حين وسوس إليه بأكل الشجرة أنه ناصِحٌ له، كما أخبر تعالى: ( وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) [الأعراف:21]
لذا فإن الشيطان يعمل جاهداً من أجل إضلال بني آدم، ولا يجد باباً يدخل منه لإغوائهم إلا ولجه، فهو يحاصر الإنسان من كل جهاته، يأتيه من قبل الحسنات، ويأتيه من قبل السيئات، يأتيه من قبل الحرص، ومن قبل الخوف، ومن قبل الأهواء والشبهات، قال تعالى: ( ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ) [الأعراف:17].
وقد جاء في تفسير هذه الآية عن قتادة رحمه الله قال: «أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار ومن خلفهم من أمر الدنيا فزينها لهم ودعاهم إليها وعن أيمانهم من قبل حسناتهم بطّأهم عنها وعن شمائلهم زيّن لهم السيئات والمعاصي ودعاهم إليها وأمرهم بها.».. سبحان الله: آتاك يا ابن آدم من كل وجه غير أنه لم يأتك من فوقك لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله.
ومن الأساليب الماكرة التي نجح بها الشيطان مع بعض الصالحين الكمال الزائف، فيشعر الإنسان بأنه كامل خاصّةً عندما يقارن بين حاله وحال أهل الفسق، ويجعله يحسب انه يُحسن صُنْعا.
يقول له أنت تجمع الظهر والعصر غيرك لا يصلي أبدا، أنت ولو قصرت في الصلاة يكفي انك تحمل قلبًا أبيض أحسن من المصلين.
قال تعالى: ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) [فاطر:8].
الشيطان عنده القدرة على تزيين المعصية، وتصوير الحرام بصورة حسنة فالغناء والمزامير فن والخمر أم الخبائث مشروب روحي والعري تقدم والربا فوائد، قال الله تعالى: ( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [الأنعام:43].
ولا يزال بالإنسان حتى يُحسّن له الحرام، ويزيّن له فعله، قال تعالى: ( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ( إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) [الحجر:39-40] ، وقال الله تعالى: ( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [الأنعام:43].
ومن أساليب الشيطان كذلك لإضلال الإنسان الوعد والتمنية، فالشيطان يعد الناس بالمواعيد الكاذبة، ويُعلّقهم بالأماني المعسولة، تشجيعًا لهم ليوقعهم في المعاصي والضلال، فالشيطان مثلاً يعد المُقامِر والمُرابِي والسارق وآخذ الرشوة بالربح السريع والكثير، ويعد الظالم بالعزّة والنصر، قال تعالى: ( يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ) [النساء:120].
ومن أساليب الشيطان في إغواء الإنسان النَّزْغ، والنَّزْغ هو الكلام الذي يُفسِد العلاقة بين الناس، ولقد أخبرنا الله عزو جل في كتابه عن نَزْغ الشيطان وحذّرنا منه، فقال تعالى: ( وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ) [الإسراء:53].
فالشيطان يسعى إلى التَّحرِيش وإثارة العداوة والبغضاء بين الناس، وشحن النفوس بالغِلّ والغضب، ( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [الأعراف:200]. [رواه مسلم].
ومن وسائل الشيطان مع المسلم أن ينسيه ذكر الله، فهو يلهي المسلم عن طاعة ربه، وأول ما ينسيه ذكر الله، قال الحق جلّ وعلا: ( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ) [المجادلة:19].
يروي في هذا المعني عن ( وهب بن منبه ) انه قال : إن إبليس لقي يحي ابن زكريا عليهما السلام , فقال له يا يحي بن زكريا , اخبرني عن طبائع ابن ادم عندكم ؟ قال إبليس : أما صنف منهم فهم مثلك معصومون لا نقدر منهم علي شيء ..
والصنف الثاني : فهم في أيدينا كالكرة في أيدي صبيانكم وقد كفونا انفسهم ..
والصنف الثالث : فهم اشد الأصناف علينا , فنقبل علي احدهم حتي ندرك حاجتنا منه ثم يفزع إلى الاستغفار فيفسد به علينا ما ادركنا منه .. فلا نحن نيئس منه ولا نحن ندرك حاجتنا منه ..
هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) [الأحزاب:56]
اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا لكم