¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤ مدونة إسلامية للسيد* مصطفى عماد بن الشيخ الحسين * تالمست المغرب
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

2018/10/04

خطبة الجمعة فضل الصدقة

Print Friendly and PDF



بسم الله الرحمان الرحيم

الخطبة الأولى: 

الحمد لله ذي الفواضل الجلية، والعوائد الطيبة، الذي خفف عن عباده المعضلات والشدائد، بما قيضه لهم من أرزاق متنوعة، وخيرات متتابعة، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، كان أجود الناس، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة، فصلّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الشاكرين لربهم والذاكرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، أيها الناس:

اتقوا الله ربكم حق تقواه، واخشوه حق الخشية، وعظموه أحسن تعظيم، وأجلوه أكبر إجلال، واعلموا أن مِن شواهد ذلك وصِدقه، وعلامات زيادته وقوته: الصَّدقةَ تقربًا إلى الله – عزَّ وجلَّ -.

حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( الصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ ))، أي: برهان على صدق الإيمان وصحته، ولهذا تجد أكثر الناس إيمانًا بالله تعالى وبإخلافه أكثرهم صدقة، قاله الإمام العثيمين – رحمه الله -.

أيها المسلمون:

إن من أجل العبادات، وأعظم القرب، وأنفع الطاعات: الصدقةَ على فقراء المسلمين ومساكينهم، والإنفاقَ على محاويجهم ممن دهمتهم الحروب فأتلفت أموالهم، وعطّلت معايشهم، وأجْلَتْهم من بيوتهم وبلادهم، والبذلَ على من أصابتهم الأمراض والأوبئة والعاهات فأقعدتهم عن التكسب والعمل، والجودَ على من حلَّت بأرزاقهم الجوائح من سيول وعواصف وأعاصير وزلازل، والإعانةَ لمن خنقتهم الديون أو حبستهم في السجون.

فالمُنْفِق عليهم مُحسن لنفسه قبل غيره، حيث قال الله سبحانه: { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ }.

وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً، فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ )).

والمُنْفِق عليهم مُتسبِّب في بَسط رزقه، وزيادة ماله، وحلول البركة فيه، حيث قال الله سبحانه: { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }.

وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ )).

وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال(( مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا)).

وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، لِاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ)).

أيها المسلمون:

إن المال الذي آتاه الله بني آدم، إنما أعطاهم إياه فتنة، أي: اختبارًا وابتلاء، لينظر هل يحسنون التصرف فيه أم لا، حيث قال سبحانه: { إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }.

فَمِن الناس من ينفقه في شهواته المحرمة، ولذائذه التي لا تزيده من الله إلا بعدًا، فهذا يكون ماله وبالًا، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ )).

ومِن الناس مَن يبذل ماله في غير فائدة، ليس في شيء محرم، ولا في شيء مفيد أو مستحب، فهذا ماله ضائع عليه، وهو نادم عليه يوم الحساب شديدًا، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (( نَهَى عَنْ إِضَاعَةِ المَالِ )).

ومِن الناس من ينفقه ابتغاء وجه الله، فيما يُقرِّبه إليه، وعلى حسْب شريعته، فهذا ماله خيرًا له، حيث قال الله سبحانه: { وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا }.

أيها المسلمون:

إن المال النافع للعبد هو المال الذي قدمه لآخرته، فأنفقه وفق شرع الله تعالى، إما في نفقة واجبة أو بِرٍّ وإحسان ومعروف مستحب، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه – رضي الله عنهم -: (( أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ، قَالَ: فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ )).

وصحَّ عن عبد الله بن الشِّخير – رضي الله عنه -: (( أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْرَأُ: { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ }، قَالَ: يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ، أَوْ أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ؟)).

أيها المسلمون:

أيُحزن المتصدق أم يُسعده أن يكون يوم القيامة حين تدنو الشمس من الرؤوس في ظل صدقته، حيث صحَّ أن أبا الخير سمع عقبة بن عامر – رضي الله عنه – يقول -: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( “كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ”، قال يزيدُ: فَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ لَا يَتَصَدَّقُ مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَعْكَةً، وَلَوْ بَصَلَةً )).

أيُحزن المتصدق أم يُسعده أن يأتي يوم القيامة وقد أطفأت صدقته خطاياه، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ )).

أيها المسلمون:

أحسنوا إلى أنفسكم فتصدقوا ولا تبخلوا، وإياكم أن تحتقروا قليل الصدقة، فتردَّكم أو تُضعفَكم عن الإنفاق في وجوه البرِّ، وميادين الإحسان، فإن قليل الصدقة ولو كان نصف تمرة يَحْجب عن النار، حيث صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال(( لَيَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَلاَ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ: أَلَمْ أُوتِكَ مَالًا؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ رَسُولًا؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى، فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلاَ يَرَى إِلَّا النَّارَ، ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ فَلاَ يَرَى إِلَّا النَّارَ، فَلْيَتَّقِيَنَّ أَحَدُكُمُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ )).

وصحَّ عن عائشة – رضي الله عنها -: (( أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا بَقِيَ مِنْهَا» ؟ قَالَتْ: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا، قَالَ: «بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا»)).

نفعني الله وإياكم بما سمعتم، وجعلنا من المتصدقين، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية: 

الحمد لله الرب العظيم، وصلّى الله على نبيه محمد الأمين الكريم، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلَّم وبارك وأنعم.

أما بعد، أيها المسلمون:

إن كان بكم من خوف فلا تخافوا من الفقر، وإن كنتم في قلق فلا تقلقوا من الفقر، ولا تخافوا ولا تخشوا إلا من الدنيا أن تُبسط عليكم فتنافسوها، وتلتهوا بها، وتهلكوا بسببها، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه ـ رضي الله عنهم ـ: (( فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ لَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ )).

وما يضير المسلم لو عاش في هذه الدنيا فقيرًا، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( قُمْتُ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا المَسَاكِينُ، وَأَصْحَابُ الجَدِّ مَحْبُوسُونَ )).

وأصحاب الجَدِّ، هُم: أهل الغنى والوجاهة.

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( يَدْخُلُ الْفُقَرَاءُ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ، وَهُوَ خَمْسُ مِائَةِ عَامٍ )).

أيها المسلمون:

إن الإحسان إلى ضعفاء المسلمين المحتاجين لَمِن أعظم أسباب النصر على الأعداء، ودفع البلاء عن الأمة، وجلْب الرزق، وكشف كُرب يوم القيامة، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال آمرًا وموصيًا ومبشرًا: ((ابْغُونِي الضُّعَفَاءَ فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ)).

وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ )).

أيها المسلمون:

إن كنتم أهل معاملات تجارية مع الناس في أيِّ نوع يعود عليكم بالمكاسب المباحة فطهروا هذه المكاسب بالتصدق بشيء منها لعلَّ الله يُخفِّف عنكم بالصدقة بعض ما يحصل منكم، فقد صحَّ عن قيس بن أبي غَرَزَة – رضي الله عنه – أنه قال: (( كُنَّا نَبِيعُ بِالْبَقِيعِ فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ الْحَلِفُ وَالْكَذِبُ فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ )).

هذا وأسأل الله العلي العظيم أن يجعلنا من المنفقين في سبيله، والشاكرين لنعمائه، والصابرين على أقداره، اللهم اجعل ما أنعمت به علينا معونة لنا على الخير، وبارك لنا في أقواتنا ومساكننا ومراكبنا، وقنعنا بما رزقتنا، ولا تحرمنا خير ما عندك من الإحسان بشر ما عندنا من الإساءة والعصيان، وادفع عنا وعن المسلمين كل شر ومكره، وأصلح فساد قلوبنا، وسددنا في الأقوال والأفعال، وأجرنا من خزي الدنيا والآخرة، اللهم ارفع الضر عن المتضررين من المسلمين، اللهم ارفع عنهم القتل والاقتتال، وارفع عنهم الخوف والجوع، وارفع عنهم الأوبئة والأمراض، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين إلى مراضيك، وأعزهم بالقضاء على الشرك والبدع والمعاصي، وارزقهم صلاح أنفسهم وأهليهم وأعوانهم وعمالهم وجندهم ورعيتهم، إنك سميع مجيب، وقوموا إلى صلاتكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا لكم