¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤ مدونة إسلامية للسيد* مصطفى عماد بن الشيخ الحسين * تالمست المغرب
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

2019/02/21

خطبة الجمعة (والسابقون السابقون)

Print Friendly and PDF

الخطبة الأولى
الحمد لله الذي قرب إليه عباده المؤمنين، وجعلهم إلى الجنة سابقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، قال سبحانه وتعالى:( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون).
أيها المسلمون: يقول الله عز وجل في سورة الواقعة :(وكنتم أزواجا ثلاثة* فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة* وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة* والسابقون السابقون* أولئك المقربون* في جنات النعيم). ففي هذه الآيات الكريمات؛ يبين الله تعالى أن الناس ينقسمون يوم القيامة إلى ثلاثة أصناف: قوم يؤتون كتبهم بأيمانهم، وهم أكثر أهل الجنة، وآخرون يؤتون كتبهم بشمائلهم، وطائفة سابقون، وهم أقرب من أصحاب اليمين، فيهم الرسل والأنبياء، والصديقون والشهداء، والصالحون والأتقياء، الذين سبقوا غيرهم إلى طاعة ربهم، فقربهم الله عز وجل إلى مرضاته، وهيأ لهم أعلى درجات جناته.
وإن المسلم يطمح أن يكون من هؤلاء السابقين، المقربين إلى رب العالمين؛ لينال الثواب العظيم، والعطاء الكريم، قال الله عز وجل:( فأما إن كان من المقربين* فروح وريحان وجنة نعيم). فأصحاب هذه المنزلة الرفيعة؛ سررهم في الجنة مرفوعة، وفرشهم فيها من الحرير مصنوعة، بالذهب مطعمة، وبالياقوت مرصعة، لا يرون أحدا أعلى منهم منزلة، ولا أرفع منهم درجة. قال الله سبحانه:( على سرر موضونة* متكئين عليها متقابلين). لهم فيها ما تشتهي أنفسهم، وتلذ به أعينهم، قال تعالى:( يطوف عليهم ولدان مخلدون* بأكواب وأباريق وكأس من معين* لا يصدعون عنها ولا ينزفون* وفاكهة مما يتخيرون* ولحم طير مما يشتهون* وحور عين* كأمثال اللؤلؤ المكنون* جزاء بما كانوا يعملون). أي: من صالح أعمالهم، وجميل أخلاقهم.
أيها المؤمنون: من هم المقربون السابقون؟ إنهم الذين سبقوا إلى الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ من الصحابة الأكرمين، ومن سار على دربهم إلى يوم الدين، قال الله سبحانه:( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم).
والسابقون هم المبادرون إلى فعل الخيرات، والمسرعون إلى كل ما دعاهم إليه ربهم من الطاعات، فقد أثنى الله عز وجل على نبيه زكريا عليه السلام وعلى أهل بيته فقال:( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« فأما الذين سبقوا بالخيرات، فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب».
وقدم الصحابة رضوان الله عليهم نماذج راقية في التسابق إلى الخير؛ فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ما أبقيت لأهلك؟». قلت: مثله. وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ما أبقيت لأهلك؟». قال: أبقيت لهم الله ورسوله. فقال عمر: لا أسابقك إلى شيء أبدا.
أيها المصلون: إن السابقين في الدنيا إلى الصلوات المكتوبات، يسبقون في الآخرة إلى الجنات، ويقربون إلى رب الأرض والسموات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إن الله قال: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه». وقال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه:( والسابقون السابقون). هم السابقون إلى الصلوات الخمس. وقال أحد العلماء: هم أول الناس ذهابا إلى المسجد، فقلوبهم معلقة بالمساجد (تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا). ويحرصون على الصفوف الأولى؛ يسبقون غيرهم، ويتقربون إلى ربهم، مؤمنين بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لو يعلم الناس ما في النداء -أي الأذان- والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه -أي: لاقترعوا عليه- ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه». والتهجير هو التبكير إلى الصلاة والسبق إليها.
والسابقون هم الذين أقبلوا على كتاب ربهم: يتلونه ويتدبرونه ويعملون به ويعلمونه، قال الله تعالى:( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير). فقد قسم الله سبحانه الناس في هذه الآية الكريمة بحسب أخذهم للقرآن الكريم إلى ثلاثة أنواع؛ أعلاها منزلة السابقون، قال أحد العلماء: فالسابقون بالخيرات؛ هم أهل القرآن المتوجون يوم القيامة.
وقد كان كثير من الصحابة والتابعين؛ يسابقون في التقرب إلى الله تعالى بقراءة القرآن الكريم، قال الصحابي الجليل خباب بن الأرت رضي الله عنه: تقرب إلى الله ما استطعت، فإنك لن تتقرب إلى الله بشيء أحب إليه من كلامه. فأكثروا من قراءة القرآن الكريم، وذكر رب العالمين؛ لتكونوا من السابقين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«سبق المفردون». قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال :«الذاكرون الله كثيرا والذاكرات».
فاللهم اجعلنا من عبادك السابقين المقربين، ووفقنا لطاعتك أجمعين، وطاعة رسولك محمد الأمين صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته عملا بقولك:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم،
وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الرؤوف الرحيم، الجواد الكريم، يقرب إليه من يشاء من عباده، والله ذو الفضل العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل.
أيها المصلون: لقد جمع الله عز وجل صفات السابقين المقربين في قوله سبحانه:( إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون* والذين هم بآيات ربهم يؤمنون* والذين هم بربهم لا يشركون* والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون* أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون). فلنسابق إلى الطاعات، فإن كمال الفضل في المسابقة إليها. ولنتنافس في أعمال البر ووجوه الخير؛ لنبلغ هذه المنزلة العظيمة، والمكانة الرفيعة، ونكون من عباد الله السابقين الأبرار، المقربين الأخيار.
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى:( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين.
اللهم إنا نسألك إيمانا صادقا، ويقينا دائما، ورحمة ننال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة. اللهم اجعلنا من البارين بآبائهم وأمهاتهم، المحسنين إلى أهليهم وأرحامهم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا لكم