¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤ مدونة إسلامية للسيد* مصطفى عماد بن الشيخ الحسين * تالمست المغرب
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

2018/12/30

ابوبكر الصديق

Print Friendly and PDF
الخطبة الأولى
ان الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا "
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " أَمَّا بَعْدُ :
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضلالة و كل ضلالة في النار
عباد الله
قراءة التاريخ والتعرف على أحوال الماضين يورث الإنسان عزة ومهابة، ويكسبه إن كان عاقلاً صلاحًا في الحياة الدنيا ويوم القيامة، لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى .
وفي تاريخنا الطويل من بعثة نبينا محمد إلى عصرنا الحاضر عبر ودروس في أحداث الزمان وسير العظماء.
وأول ما يتجه إليه النظر في هذا التاريخ الطويل سيرة أصحاب النبي ، فهم أفضل الخلق بعد الأنبياء، وهم الهداة المهتدون الذين عرفوا الحق وبه كانوا يعملون، لم يأت ولن يأتيَ مثلهم في الناس، وهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله، لهم من الفضائل ما ليس لغيرهم، ولهم من السبق والإيمان ما لو وزن بإيمان أهل الأرض لوزنهم، فالواجب على المؤمنين محبتهم واحترامهم ومعرفة فضلهم وسبقهم والاستغفار لهم، وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ .
كن كالصحابة في زهدٍ وفي ورعٍ القوم هم مالهم في الناس أشباهُ
عبادُ ليلٍ إذا جن الظلام بهم كم عابدٍ دمعه في الخد أجراه
وأسدُ غابٍ إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون لقياه
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناهُ
أيها الإخوة المؤمنون
إننا اليوم أمام سيرة رجلٍ من هؤلاء الرجال، رجل حقٌّ للأمة أن تفاخر بسيرته الأمم، وأن تبز بحياته سائر متّبعي الملل، رجلٌ انتصر الإسلام بإسلامه، وأعز الله الدين بإيمانه، كاد عمود الدين أن يسقط فأقامه، يوم أن علّق قلبه بالله وجعله أمامه، إنه رجلٌ عظيم القدر، رفيع المنزلة، لكَمْ وكم جعل روحه فداء لرسول الله قولاً وفعلاً، إنه من نصر الرسول يوم خذله الناس، وآمن به يوم كفر به الناس، وصدّقه يوم كذبه الناس، إنه عبد الله بن عثمان بن عامر أفضل الصحابة، إنه أبو بكر الصديق ، ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على خير من أبي بكر، إنه أوّل من آمن من الرجال ، إنه من لو وضع إيمان الأمة في كفة وإيمان أبي بكر في كفة لرجحت كفة أبي بكر، إنه الورِع الحييّ الحازم الرحيم، التاجر الكريم، لم يؤثر عنه أنه شرب خمرًا قط، ولم يؤثر عنه أنه سجد لصنم قط، ولم يؤثر عنه كذبٌ قط، هو الصاحب في الهجرة والغار، ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ [التوبة:40]، وهو العتيق من النار، كلّ باب يغلق إلا بابه، يعلنها من على المنبر خطيبًا بها: ((إن من أمَنّ الناس على في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقى بابٌ في المسجد إلا باب أبي بكر))، مكافأته يوم القيامة يقولها : ((ما لأحد عندنا يدٌ إلا وكافيناه بها ما خلا أبا بكر، فإن له يدًا يكافئه الله بها يوم القيامة)).
يقدم أبو بكر يوم القيامة وفي ميزان حسناته خمسة من العشرة المبشرين بالجنة قد أسلموا على يديه.
وهم عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف.
يقدم أبو بكر يوم القيامة وفي كفة درجاته عشرون صحابيًا أعتقهم من ربقة العبودية بأربعين ألف دينار هي لله وفي الله.
وكان رضي الله عنه، أعلم الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدلول كلامه وفحواه، فقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته وقال: ((إن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله)) ففهم أبو بكر رضي الله عنه، أن المخير هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكى فعجب الناس من بكائه لأنهم لم يفهموا ما فهم. وكان رضي الله عنه، أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس، ((إن أمن الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته)).
صلى رسول الله الفجر ذات يوم بأصحابه، فلما قضى صلاته قال: ((أيكم أصبح اليوم صائمًا؟ قال أبو بكر: أنا. قال: من تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا. قال: من أطعم اليوم مسكينًا؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟ قال أبو بكر: أنا. فقال رسول الله : ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة))
أيها الإخوة، إن أبا بكر رضي الله عنه بأفعاله الجميلة، ومبادراته المتنوعة يدخل الجنة ليس من باب واحد ولكن من أبواب الجنة جميعها؛ فلقد عدد رسول الله أبواب الجنة فكان مما قال: ((من كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام وباب الريان. فقال أبو بكر رضي الله عنه: ما على الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة؟ وهل يدعى من كلها أحد يا رسول الله؟ قال: نعم. وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر)) ومن أجل هذا فلا جرم أن يقول عمر وعلي رضي الله عنهما: ما سابقنا أبا بكر إلى خير قط إلا سبقنا عليه. قال علي رضي الله عنه: (ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذته قريش، فذا يجبأه وهذا يتلتله، وهم يقولون، أنت الذي جعلت الآلهة إلهاً واحداً؟ قال: فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر، يضرب هذا، ويجبأ هذا، ويتلتل هذا، وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله، ثم رفع عليّ رضي الله عنه بردة كانت عليه، فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم قال: أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر؟فسكت القوم فقال: ألا تجيبونني؟ فوالله لساعة من أبي بكر خير من ألف ساعة من مثل مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا رجل أعلن أيمانه. ..).
وكان رضي الله عنه أثبت الصحابة عند النوازل والكوارث،ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ، اندهش المسلمون لذلك، حتى قام عمر رضي الله عنه، وأنكر موته، وقال: (والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليبعثنه الله، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم من خلاف). ولكن أبا بكر رضي الله عنه، جاء فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبله وقال: (بأبي أنت وأمي، طبت حياً وميتا) ثم خرج إلى الناس فصعد المنبر، فخطب الناس بقلب ثابت، وقال: (ألا من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت)، وتلا قول الله عز وجل: إنك ميت وإنهم ميتون وقوله تعالى: وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رفع قدر أولي الأقدار، أحمده سبحانه وأشكره على فضله المدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده رسوله المصطفى المختار، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الأطهار، من المهاجرين والأنصار والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله
وإن شئتم مزيدًا من سيرة هذا الرجل المبارك، والقدوة الحسنة فاليكم هذه القصة
التي يرويها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عن يقول:: كنت أفتقد أبا بكر أيام خلافته ما بين فترة وأخرى، فلحقته يومًا فإذا هو بظاهر المدينة ـ خارجها ـ قد خرج متسللاً، فأدركته وقد دخل بيتًا حقيرًا في ضواحي المدينة، فمكثت هناك مدة، ثم خرج وعاد إلى المدينة، فقلت: لأدخلن هذا البيت، فدخلت فإذا امرأة عجوز عمياء وحولها صبية صغار، فقلت: يرحمك الله يا أمة الله من هذا الرجل الذي خرج منكم الآن؟ قالت: إنه ليتردّد علينا، ووالله إني لا أعرفه، فقلت: فما يفعل؟ فقالت: إنه يأتي إلينا فيكنس دارنا، ويطبخ عشاءنا، وينظف قدورنا، ويجلب لنا الماء، ثم يذهب، فبكى عمر حينذاك وقال: الله أكبر، والله لقد أتعبتَ من بعدك يا أبا بكر.
وتنتهي هذه الحياة الحافلة بالعطاء، ويمرض أبو بكر الصديق خمسة عشر يومًا، يثقل يومًا بعد يوم،
قالوا له: ألا ندعو لك الطبيب؟ قال: قد رآني. قالوا: فماذا قال؟ قال: يقول: إني فعال لما أريد
ولما حضرته الوفاة إذ بالصدّيقة عائشة عند رأسه تبكي وتقول:
لعمروك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر
فيقول أبو بكر: لا تقولي هكذا يا بنية، ولكن قولي: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ
ويموت ويدفن بجانب إمامه رسول الله
فيا عبد الله، إن أردت خير الدنيا والآخرة فعليك بهؤلاء فاقتدِ بهم، ومن أحب قومًا حشر معهم، يقول أنس بن مالك قال رسول الله : ((المرء مع من أحب))، قال أنس: فأنا أحب رسول الله وأبا بكر وعمر، وأرجو أن يحشرني الله معهم.

وهذا وصلُّوا رحمكم الله على البشير النذير، كما أمركم الله بقوله: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56]. اللهم صل على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وارض اللهم عن جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنًا، وسائر بلاد المسلمين، يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى من الأقوال والأعمال، اللهم هيئ له البطانة الصالحة التي تعينه على الخير، وتدله عليه، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نحب نبيك محمدًا ، وأبا بكر وجميع الصحابة الكرام، فاللهم اجمعنا معهم في دار كرامتك، يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. واللهم نور على أهل القبور من المسلمين قبورهم، واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم.
اللهم تب على التائبين، واغفر ذنوب المذنبين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وعذاب القبر، وفتنة المسيح الدجال، وفتنة المحيا والممات.
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا لكم